بینات

تآریخ النشر: 21:40 - 2017 February 25
يرى الكاتب أنّ موضوع الإمامة ـ كما هو الحق ـ من أشرف الموضوعات الدينية وأهمها، وهو خليق بأن تتوجه له العقول وتتوفر على بحثه والتثبت منه. ويشبه الإمامة بالثمرة في شجرة الإيمان، إذ أنّ الشجرة المباركة التي جعل الله أصلها ثابتاً في الأرض بلا اله إلا الله وفرعها منبثقاً في السماء برسول الله(صلى الله عليه وآله)إنما ثمرتها الحقيقية الإمامة، وإذا تجردت الشجرة من الثمرة فقدت وظيفتها وأصبحت عالة على الأرض التي تستقل بها.
رمز الخبر: 17

أهمية الإمامة

يرى الكاتب أنّ موضوع الإمامة ـ كما هو الحق ـ من أشرف الموضوعات الدينية وأهمها، وهو خليق بأن تتوجه له العقول وتتوفر على بحثه والتثبت منه.
ويشبه الإمامة بالثمرة في شجرة الإيمان، إذ أنّ الشجرة المباركة التي جعل الله أصلها ثابتاً في الأرض بلا اله إلا الله وفرعها منبثقاً في السماء برسول الله(صلى الله عليه وآله)إنما ثمرتها الحقيقية الإمامة، وإذا تجردت الشجرة من الثمرة فقدت وظيفتها وأصبحت عالة على الأرض التي تستقل بها.
كما يتحدث عن مظلومية الإمامة كركن من أركان الدين نقضت عروته وتهدم أساسه أولاً ثم نقضت الأركان الاخرى وتهدمت عروة عروة عبر التاريخ نتيجة لظلم هذا الركن وتضييعه من قبل المسلمين.

الاختيار الالهي في الخلق:
يرى الكاتب أنّ كل مخلوق خلق على قاعدة الاختيار الالهي له، يعني أنّه ليس مخلوقاً عبثاً; لأنّ العبثية في المخلوقات ممتنعة، قال تعالى:(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـكُمْ عَبَثاً)(المؤمنون: 115)، فكل المخلوقات خلقت بتقدير واختيار وبحيث يستطيع الباحث المدقق أن يسجل هذه السنة: سُنة الخلق مقرونة بسنة الاختيار، قال تعالى:(وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَـنَ اللَّهِ وَ تَعَــلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )(القصص: 68).
وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ الاختيار يشمل العوالم الثلاثة: عالم الجماد وعالم النبات وعالم الحيوان، قال تعالى:(ثَمَرَات مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَ مِنَ الْجِبَالِ جُدَدُم بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَ غَرَابِيبُ سُودٌ* وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَآبِّ وَ الاَْنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ)(فاطر: 27 ـ 28)، ففي هذه الاية الكريمة اشارة إلى انواع الخلق المختلف في العوالم الثلاثة مما يدل على الاختيار الالهي لهذه الانواع المصاحب لخلقها. وهذان الأمران ـ أي الخلق والاختيار هما من مظاهر ربوبية الله في تصرفه وتقديره لأمور الكون.

نقطة التحدي في رفض الاختيار:
يوضح الكاتب أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا اختار أن يخلق بشراً من صلصال.
وأنبأ الملائكة بمشيئته وتحققت هذه المشيئة وخلق الانسان، جاء وقت الاذعان لهذه المشيئة بالسجود لهذا المخلوق كما أمر بذلك سبحانه.
هنا أبى إبليس واستكبر وكفر، وهو لم يكفر بالله خالقاً ولا كفر بالله رازقاً ولا كفر بالله فاطراً، ولكنه نازع وأبى اختيار الله لآدم كخليفة في الأرض وتفضيله على غيره بتعليمه الاسماء كلها. قال يخاطب الله سبحانه(خَلَقْتَنِى مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين )(الأعراف: 12)(ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً)(الاسراء: 61)، وجاءه الرد الالهي(فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّـغِرِينَ )(الاعراف: 13)، فالله سبحانه لم يقل له أنك لم تعبدني أو أنك لم تذكر أني خالقك أو أنك تصورت نفسك إلهاً بل قال: لا يحق لك التكبر على أمري في اختيار آدم وجعله خليفة بل كان عليك الاذعان وعدم التحدي.

بني آدم وسنة الاختيار:
ينتقل الكاتب إلى عرض سنة الاختيار الالهي على البشر وامتحانهم بها بقبولها أو رفضها حيث يكون القبول والتسليم والرضى بما اختاره الله سبباً في النجاة والنجاح في الامتحان ويكون التكبر والاباء والتحدي سبباً في الهلاك والفشل في هذا الامتحان.
قال ابليس: يا رب أنا عبدتك في الأرض وعبدتك في السماء حتى ابتليتني بهذا المخلوق الذى خلقته من طين وأمرتني بالسجود له، فعظم عليّ أن اسجد للطين، هلاّ ابتليت ذريته بما ابتليتني به ففضلت بعضهم على بعض لترى كيف يفعلون ببعضهم(1)؟
وعن هذا تتحدث الآية في السنة الكونية، يقول الحق:(وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْض لِّيَقُولُواْ أَهَـؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنم بَيْنِنَآ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)(الانعام: 53).
الله تعالى وجد أن احتجاج إبليس وجيه، وبعدله وبتقديره في الأزل اجرى الاختيار على بني آدم منذ فجر الخليقة.
عندما أصبح ابناء آدم أكثر من واحد تحركت سنة الاختيار لكي يتبين من يرضى باختيار الله.
كان ابنا آدم قبل الاختيار مسلمين، والدليل انهما قربا لله قرباناً، فلو كان أحدهما كافراً محضاً ومنكراً فانه لا يقدم قرباناً، قال تعالى:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاَْخَرِ قَالَ لاََقْتُلَنَّكَ)(المائدة: 27).
رفض ابن آدم الشقي الاختيار، رغم انه قبل ذلك كان يقدم قرباناً، أي أنه عارف بالله مؤمن به لكنه رفض الاختيار فطرد واصبح شقياً مطروداً وارتكب جريمة القتل لأخيه.
إن ابليس فرح مع أول دفقة دم لابن آدم على يد أخيه. وقال:ها قد نجحت في التحدي ولهذا يقول الحق عن ابليس:(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوُّم بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا)(الكهف: 50)، وهكذا أخذت سنة الاختيار مجراها لا تجدها لها تبديلا ولا تحويلا لما تكاثر البشر وكانت النبوات.

الاختيار في زمان نوح وإبراهيم(عليهما السلام):
يواصل الكاتب بيانه لسنة الاختيار الالهي بالاستفادة من آيات القرآن، قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً)والاصطفاء يعني اختيار الصفوة وهو ليس مجرد اختيار، بل اختيار يتجلى فيه العلم والقدرة والبصر بالعباد.
ثم دخل على الاصطفاء تطور جديد كان إبراهيم (عليه السلام) سبباً له، قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ادَمَ وَنُوحًا وَألَ إِبْرَاهِيمَ وَألَ عِمْرَانَ)(آل عمران: 33)، فالآية هنا لم تعبر ان الله اصطفى آدم ونوحاً وابراهيم، ومن هنا دخل في دائرة الاصطفاء الآل.
الله تبارك وتعالى لمّا أكرم ابراهيم وابتلاه بكلمات فاتمهن، خوطب بالبشرى:(إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)، تقبل البشرى راغباً في سعة رحمة الله وفي استدامة هذا النور في ذريته(قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتِى)أُجيب جواب المثبت للامامة من حيث المبدأ المستبعد للظالمين منها(قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ)(البقرة: 124) أي: بلى يا ابراهيم يكون من ذريتك أئمة مع استبعاد الظالمين.

بيت الله وأهل البيت:
قد بوأ الله سبحانه بيته لإبراهيم الخليل ليرفع قواعده(وَ إِذْ بَوَّأْنَا لاِِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْـًا)(الحج: 26)(وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)(البقرة: 127)، ولابد للبيت من أهل، وقد اختارهم الله بعد ابراهيم من ذريته فهم ليسوا أناساً مجهولين.
جاءت الملائكة إلى إبراهيم وحدثته بإرسالهم إلى قوم لوط، فأخذ ابراهيم يجادلهم في قوم لوط، وكانت امرأة إبراهيم البارة الصالحة سارة عميدة أهل البيت في زمانها قائمة، يقول الوحي مبشراً لها:(وَ امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَ مِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَ هَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)(هود: 71 ـ 73).
بدأت مرحلة أهل البيت منذ أن رفع إبراهيم القواعد من البيت، وبعد إبراهيم إسحاق وبعد إسحاق يعقوب، وهكذا حتى استتم بنو اسرائيل مواكب أنبيائهم نبياً بعد نبي، حتى إذا غيّر بنو اسرائيل ما بأنفسهم غير الله ما انعم عليهم، واستبدلوا بآل محمد (عليهم السلام) من ذرية اسماعيل بن إبراهيم.

آل عمران همزة الوصل:
ذكرت آية الاصطفاء(2)آل ابراهيم، وآل عمران، وآل عمران يتلخصون في مريم بنت عمران وابنها المسيح، وهذا يعني ان الله سبحانه جعل من مريم رحماً للآل كما جعل سارة قبل ذلك رحماً لهم وسبباً وأصلاً وبشرها بذلك.
إنّ من أقوى الأدلة العقلية والنقلية على جفاف ينابيع الخير في بني إسرائيل أنه لا يوجد أحد من ذكور بني اسرائيل أهلاً لمريم الطاهرة البتول، قال تعالى:(وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَ صَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَ كُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)(التحريم: 12).
ويبدو أنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يبيّن همزة الوصل بين انتهاء إمامة بني اسرائيل وبدء إمامة محمد(صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام) ، إذ جاء عيسى (عليه السلام) وهو كما يصفه القرآن همزة وصل فعلاً(وَ إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِى إِسْرَائيلَ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَ مُبَشِّرَاً بِرَسُول يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ)(الصف: 6).

الاختيار في سورة الشورى:
وضحت سورة الشورى المنعطف الذي بيّن تسلسل الاختيار وبدء الإمامة في ذرية الزهراء(عليها السلام).
الحق تبارك وتعالى يقول في هذه السورة:(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ)(الشورى: 13).
أول شيء يقول الحق مخاطباً عبده ورسوله محمداً(صلى الله عليه وآله): يا عبدي ورسولي محمد، هاقد آل إليك ميراث النبيين جميعاً، هاقد آلت إليك أنوار الأنبياء جميعاً ووصاياي لهم جميعاً أصبحت وصاياي لك ولامتك.
ثم إنّ الحق تبارك وتعالى يقول:(اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزَانَ)(الشورى: 17)، والميزان هو الإمام المعصوم الذي يكون مع الكتاب ضامناً لعدم تحريفه ومنافحاً عنه بالتفسير الصحيح الذي يدفع عنه التناقضات الظاهرية أو التفسير الخاطيء أو المحرف.
ثم أتت آية المودة في القربى(ذَلِكَ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ أمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)(الشورى: 23) بعد أن بين الوحي أن هدى الله استقر في الرسول والأئمة المعصومين من بعده، طلب المودة للقربى وهم هؤلاء الأئمة.

سارة ومريم والزهراء سلام الله عليهن:
ثم إنّ هبة الإمامة مرتبطة بأنوار الزهراء(عليها السلام)، فها هي سورة الشورى لا زالت تتحدث(لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَـوَاتِ وَ الاَْرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثًا وَ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَ إِنَاثًا وَ يَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)(الشورى: 49 ـ 50).
الهبة بدأت بالاناث ثم قال(وَ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ)، أي يهب لمن يشاء الذكور المناسبين للاناث في الزواج(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَ إِنَاثًا)، والاناث هن التربة، وهن المستودع التي تستودع فيه النطف، ولذلك قلنا: ان سارة ارتبط بها آل البيت وكذلك مريم الذى كان عيسى ابنها ينادي: نضب الخير فيكم يا بني اسرائيل، من يستحق منكم ان يكون زوجاً لمريم؟
في سورة النور يقدم الله ذكر الطيبات على الطيبين يقول(الطيبات للطيبين)كما يقول(الخبيثات للخبيثين)(النور: 26) وهذه إشارة الى انه اذا نظف الرحم وطهر المستودع كان قميناً بان ينجب الرجال، ولذلك صح القول المأثور: "ما كان لفاطمة كفو غير علي"(3)فهو قد خلق من اجلها. وهذا هو الاختيار والاصطفاء للامامة.

رد فعل الأمة تجاه الاختيار الالهي:
بعد أن وضحت سورة الشورى معالم الاختيار الالهي، حذرت الأمة من التفريط بهذا الاختيار بالتفرق والبغي والشك والاضطراب والافتراء.
في الآية (13) كان جوهر الوصايا التي شرعها الله من زمان نوح إلى محمد(صلى الله عليه وآله):(أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ)لان التفرق لووقع سيكون ناشئاً بسبب البغي، فربنا يقول:(وَ مَا تَفَرَّقُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ)(الشورى: 14) ومعنى البغي بينهم ان يرفض بعضهم البعض الذي اختاره الله بعد علمهم بذلك كما حدث في تاريخ المسلمين عندما جائهم في يوم الغدير وغيره من المناسبات.
ثم يقول الحق بخصوص بغيهم هذا:(وَ لَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ)(1يونس: 19).
ولو لا هذه الكلمة التي سبقت من ربنا لما استطاع ان يجتريء على رسول الله(صلى الله عليه وآله)أحد بهذه الكلمة الرهيبة: "إنه يهجر"(4)إلاّ وأتاه العقاب الفوري.
وختام الآية يقول:(الَّذِينَ أُورِثُواْ الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِى شَكّ مِّنْهُ مُرِيب)(الشورى: 14).
أي أنّ نتيجة التفرق القائم على البغي تؤدي إلى الريب في الكتاب فيقع الاضطراب ويصير الناس في شك، ماذا فعل رسول الله وماذا لم يفعل؟ وما معنى هذه الآية وما معنى تلك؟ بحيث اصبح القرآن واحكامه وعبادات الرسول محل شك! لدرجة ان المسلمين لا يعرفون كيف توضأ الرسول، وهو كان يتوضا على مرآى من المسلمين طوال حياته، وهذا نتيجة نقضهم عروة الامامة بغياً فتفرقوا.
وفي الآية (24) يقول الحق:(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)، وقد جاء في بعض الروايات عند أهل السنة، قال بعضهم: لعلّ هذا من عند رسول الله وليس من الله(5)، عندما بلغهم بالامامة وبين لهم وجوب المودة بما تنطوي عليه من تسليم لاختيار الله سبحانه. وأما هذا الذي اعترض في رزية الخميس وقال: انه يهجر، فاما انه ظنّ ان رسول الله يفتري على الله فيكون المعترض قد كفر، أو ظن إن هذا من أمر الله ولكنه لا يريد أمر الله، والحال واحد.

الاختيار في مملكة النحل:
يقول الكاتب وفقاً لرأيه بأنّ الاختيار الالهي يسري في الحيوانات أيضاً، ان هناك آيات في كتاب الله غريبة المأخذ والمنتهى ولا تقف عند حد لو تأملنا فيها، الله سبحانه يقول:(وَمَا مِن دَآبَّة فِى الاَْرْضِ وَلاَ طَائِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَـبِ مِن شَىْء ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(الانعام: 38)، ويقول سبحانه في آية اخرى:(وَ إِن مِّنْ أُمَّة إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ)(فاطر: 24)، إذن حتى أمم الطيور والحيوان فيها اختيار وانذار.
تعالوا نتأمل الاختيار في مملكة النحل، وهو الاختيار المذهل الذى دعا إلى ان يختص النحل بسورة من طوال السور في القرآن، ويختص بوحي، ومعجزة النحل وحدها دليل على الإمامة.
الله سبحانه يقول:(وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(النحل: 68)، يا هل ترى جمع مذكر أم جمع مؤنث؟
سيظهر في الخطاب الآتي:(وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى)فقد عدل بعدما كان يخاطب جمعاً، عدل في الأمر الصادر كأنه يخاطب مفرداً مؤنثاً، لانه لا جمع مؤنث: أن اتخذن، ولا جمع مذكر: أن اتخذوا، قال:(أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ)(النحل: 68).
لقد اصبح معلوماً ـ وأي دارس في الاعدادية يعرف ـ أنّ في مملكة النحل ملكة، فما هذه الملكة، هل جاءت من السقيفة؟! هل اختاروها هناك؟!
بيض النحل عندما يفقس، يفقس عن ثلاثة أنواع: ذكور، وعاملات وواحدة فقط ملكة ولو فقس بيض الملكة عن اكثر من ملكة يستحيل ان تبقى الملكتان في الخلية، لابد أن تنفصل واحدة ببعض العاملات وتغادر لتكون خلية جديدة، لا امامان في خلية.

ملكة النحل هذه كيف اكتسبت صفاتها؟
آنها صفات تكوينية من الله عزوجل، ولأجل ان يضرب المثل بها، فاذا كانت حشرة قد انتظمت في طاعة امامها فانتجت عسلاً فيه شفاء للناس، فكيف لو انتظم الناس في طاعة امامهم، فماذا كانوا ينتجون؟!
لو استقام الناس على امامة امير المؤمنين لاصبحت هذه الأرض جنة، يقول تعالى:(ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم)(المائدة: 66)، وقال تعالى:(وَ أَلَّوِ اسْتَقَـمُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً )(الجن: 16).

الإمامة في الجماد:
إنّ الإمامة تسري في الكون حتى في الجماد والمواد، إن ما نقرأه عن البروتونات والنيوترونات والالكترونات، رغم انه بسيط فانه غريب!
إنّ الذرة تتكون من نواة والكترونات تدور حول نواة الذرة التي فيها، والنواة لها مركز ثابت وتتحرك بثبات. من الذي صنع لهذه النواة هذا المركز وللالكترونات هذه المدرات؟.

مسك الختام:
إن الله الذي أكرم المؤمنين بان جعلهم من أصحاب الولاء لمحمد وآل محمد يندبهم لأمر عظيم، لان يتهيأوا ويكونوا في جيش الامام القائم (عليه السلام) . قال تعالى:(بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(هود: 86).

(1) انظر تفسير الطبري: 8 / 172 ـ 175.
(2)
آل عمران: 33.
(3)
بحار الانوار: 43 / 101.
(4)
البخاري: 5 / 137، صحيح مسلم: 5 / 76، سنن النسائي: 3 / 433، أحمد: 1 / 325، فتح الباري: 1 / 186.
(5)
السيوطي في الدر المنثور عن الطبراني وابن مردويه من طريق ابن جبير، انظر الميزان: 18 / 53.
تعلیقات المشاهدین
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* رای: