بینات

تآریخ النشر: 22:21 - 2017 April 16
لا شك في أن النبيَّ (صلى ­الله­ عليه ­وآله­ وسلم) كان يعلم أن أمّته الجديدة القريبة العهد بالإسلام، وما هي عليه من الرغبة في الخلافة، ويعلم أنه سينقلب الكثير منهم على الأعقاب، ولا يسلم منهم إلاَّ مثل همل النعم عند ورودهم على الحوض ـ كما جاء في البخاري في حديث الحوض، ويعلم علم اليقين أن أصحابه كانوا يضمرون الشرَّ لوصيِّه وخليفته من بعده علي (عليه السلام)، وأنهم فور موته يحدثون حدثاً.
رمز الخبر: 43

لا شك في أن النبيَّ (صلى ­الله­ عليه ­وآله­ وسلمكان يعلم أن أمّته الجديدة القريبة العهد بالإسلام، وما هي عليه من الرغبة في الخلافة، ويعلم أنه سينقلب الكثير منهم على الأعقاب (١)، ولا يسلم منهم إلاَّ مثل همل النعم(٢)عند ورودهم على الحوض ـ كما جاء في البخاري في حديث الحوض (٣)، ويعلم علم اليقين أن أصحابه كانوا يضمرون الشرَّ لوصيِّه وخليفته من بعده علي (عليه السلام) (٤)، وأنهم فور موته يحدثون حدثاً.

إذن، فلابد أن يكون قد وضع للخلافة حلاًّ لها، يوقف من تدعوه نفسه إلى الخلافة، ولا يخفى عليه أمر أصحابه، إذ أنه قد سبرهم، وعرف المستقيم منهم والملتوي، وهو القائل لهم: ستتبعون سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه(5)، وكان شيخنا العلامة الشيخ (أحمد أفندي الطويل الأنطاكي) يرويه لنا في أثناء الدرس، وعلى المنبر، ويقول في ختام الحديث: ولو جامع أحدهم امرأته في السوق لفعلتموه!! وهو القائل: من لم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية(6)أي كفر.

إذن، فلابد أن يضع للخلافة حلاًّ يوقفهم عند حدِّهم، ونحن ما دمنا نعتقد أنه نبيٌّ مرسل من الله، ويعلم أنه الذي ختم الرسل، وأن رسالته مستمرة إلى آخر الدنيا، فلا يبقى له أن يترك أمّته فوضى مع علمه أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كما في الحديث(7).

مناقشة دعوى إيكال أمر الخلافة إلى الاُمة

هذا ودعوى إيكال أمر الخلافة إلى الأمة باطلة لأمور:

أوّلا: إن أهل الحلِّ والعقد، أو الانتخاب، أو ذوي الشورى لا يتمُّ الأمر بما أوكل إليهم إلى مدى الدهر، بل هو عين إيقاع الأمة في الفوضى التي توقع الأمة في هوَّة ساحقة لاحدَّ لها ولا قرار، لهذا نرى الأمّة لا زالت تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم إلى يومنا هذا، ثمَّ إلى انتهاء حياة البشر يوم البعث والنشور.

ثانياً: مما لا خفاء فيه أن الناس مختلفون في معتقداتهم، ومتباينون في آرائهم، ونرى أنه لا يتفق اثنان في الرأي، بل الإنسان نفسه لا يتفق له أن يستمرَّ على رأي دائم، بل يتقلَّب رأيه في كل لحظة، فكيف يمكن أن يكون الأمر موكولا إلى أهل الحلِّ والعقد؟! وهذا يأباه العقل والوجدان.

ثالثاً: يستحيل أن يحصل الاتفاق بإيكال الأمر إلى أهل الحلِّ والعقد، فلابدَّ من وقوع اضطراب شديد بين الشعوب والقبائل، ووقوع القتل والسلب والنهب، وغيرها ممّا هو موجود، كما هو موجود في كل عصر ومصر، ولم يمكن لرئيس أن يتمَّ على يده نظام حياة الإنسان إلاَّ بالقوَّة القاهرة، وهذه مؤقَّتة زائلة، ومتى زالت رجع كل واحد إلى ما كان عليه من الأعمال الضارّة بالسكان.

لهذا قلنا مكرَّراً: إن الله لا يدع أمراً من أمور الدين للأمَّة تتجاذبه أهواؤهم، بل لابدَّ من أن يوكل الأمر إلى أربابه ممن له أهليّة كاملة في العلم الغزير الذي كان عند الرسول(صلى ­الله­ عليه ­وآله­ وسلم)(8)، والشجاعة، والحكم، والكرم، والزهد، والتقى، والفراسة، والإعجاز، وأهمُّها العصمة، وغير ذلك مما يكون الوصيُّ الذي يقوم مقام الرسول(صلى ­الله­ عليه ­وآله­ وسلم)في حاجة إليه في إدارة دفّة الحكم، وهذا لا يمكن أن يتمكَّن منه أحد إلاَّ الله العالم بما تكنُّه الصدور، ويعلم السرَّ وأخفى، والرسول(صلى ­الله­ عليه ­وآله­ وسلم)قد بيَّن بصراحة في كل مناسبة أن الوصيَّ والخليفة من بعده: علي (عليه السلام).

كما وإن هناك أدلّة كثيرة أخرى ترشدك إلى ما تقوم به الحجة، زيادة على ما قدَّمنا، مما هو ثابت لدنيا معاشر الشيعة، والكتاب والسنة بُنيتا على ذلك.

__________________

١ ـ قال تعالى في سورة آل عمران، الآية: ١٤٤:(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ).

٢ ـ قال ابن الأثير في النهاية: ٥/٢٧٤: في حديث الحوض: (فلا يخلص منهم إلاَّ مثل همل النعم) الهمل: ضوالّ الإبل، واحدها هامل؛ أي إن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة.

٣ ـ صحيح البخاري: ٧/٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٤ ـ جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ١١/٢١٦، في ترجمة رقم: ٥٩٢٨ بإسناده عن أبي إدريس عن علي(عليه السلام)قال: مما عهد إليَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أن الأمة ستغدر بك من بعدي.

وراجع الحديث في المصادر الآتية: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ٤/١٠٧ و٢٠/٣٢٦ ح ٧٣٤، تأريخ دمشق، ابن عساكر: ٤٢/٤٤٧ ـ ٤٤٨، تذكرة الحفاظ، الذهبي: ٣/٩٩٥، البداية والنهاية، ابن كثير: ٦/٢٤٤.

ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين: ٣/١٤٢ عن حيان الأسدي قال: سمعت علياً(عليه السلام) يقول: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن الاُمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش علىملتي.

ورواه عنه كنز العمال، المتقي الهندي: ١١/٢٩٧ ح ٣١٥٦٢.

5 ـ صحيح البخاري: ٤/١٤٤ ـ ١٤٥ و٨/١٥١، صحيح مسلم: ٨/٥٧، صحيح ابن حبان: ١٥/٩٥، مسند أحمد بن حنبل: ٢/٣٢٧ و٥١١، المستدرك، الحاكم: ٤/٤٥٥، مجمع الزوائد، الهيثمي: ٧/٢٦١.

6 ـ راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد: ٩/١٥٥ و١٣/٢٤٢. وسوف يأتي الحديث نفسه أيضاً مع مصادر أخرى.

7 ـ تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ١٣/٢٩٥، تاريخ دمشق، ابن عساكر: ٦٢/٣١١، الفصول في الأصول، الجصاص: ٣/٣١٦.

8 ـ قال الأنطاكي في الهامش: كحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

9 ـ لماذا اخترت مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الأنطاكي: ٤٥٠ ـ ٤٥٣.

من كتاب مناظرات المستبصرين

الشيخ عبد الله الحسن     


تعلیقات المشاهدین
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* رای: