بینات

تآریخ النشر: 19:50 - 2017 April 17
لا يزال المجتمع العالمي يعيش تطورًا على كافة الأصعدة لذا فأنت تجد نفسك في كل يوم أمام العديد والكثير من المصطلحات، المفاهيم، التعريفات، النظريات، وتجد نفسك أحيانًا يشدها الفضول للاطلاع على تلك المعاني المطروحة لمصطلح أو آخر، سنقف هنا إزاء آخر التطورات على صعيد الشرق الأوسط لنتناول مفهوم الحرب الناعمة
رمز الخبر: 49

لا بد -عزيزي القارئ-من أنك قد سمعت بحرب المعنويات وغسل العقول والغزو الثقافي والحرب السياسية، إن كنت على اطلاع أو معرفة بكل هذا فليست الحرب الناعمة بخافية عليك.

فهي حسب التعريف الذي يذكره جوزيف ناي: " القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام".

الجذور والنشأة

أشرنا منذ قليل لجوزيف ناي، الذي يعتبر المروّج والمنظّر لهذه النظرية، فقد قام ناي بتوظيف ثنائية الصلب والناعم المستعملة في تقسيم أجهزة وقطع الكمبيوتر إلى software أي الأدوات الناعمة وhardware أي الأدوات الصلبة، بهدف ترويج مشروعه الاستراتيجي والسياسي والعسكري القائم، على نقل لمعركة في الميدان العسكري الصلب حيث التفوق لعقيدة القتال والموت والصبر الطويل، والصمود المتقنة لدى أعداء أميركا إلى الميدان الناعم وأدواته التكنولوجية والاتصالية والإعلامية حيث تتفوق أميركا وحليفاتها.

هكذا ندرك أن مصطلح الحرب الناعمة ولد في سياق المحطات الكبرى والحروب والأحداث العسكرية المفصلية لنهايات القرن الواحد والعشرين وتحت تأثير قفزات التطور الهائلة التي حدثت في عالم وسائل الاتصال والإعلام.

الحرب الناعمة والإسلام

تلك إذن النشأة العالمية، أما على الصعيد الإسلامي فتجدر الإشارة إلى أن أول من أشار لهذا المفهوم هو السيد الخامنئي منبهًا إلى مخاطر الحرب الناعمة ولضرورة العمل على مواجهتها.

الحرب الناعمة هي منتج جديد مبتكر ومشتق من روح الحرب الباردة، ولكن بغلاف جديد وبتقنيات جديدة وآليات وسياسات ومشاريع جديدة موجه إلى جمهور جديد وبمواجهة عقيدة جديدة هي الإسلام وضد بلدان وقوى جديدة خاصة: (إيران وسوريا) وقوى المقاومة الممانعة للمشروع الأميركي الأطلسي الإسرائيلي في المنطقة.

إذ لم يكن مصطلح الحرب الناعمة مألوفًا في الأذهان على المستوى الجماهيري في منطقتنا إلى أن جرى تداوله على نطاق واسع بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية 2009م وبخاصة من قبل الإمام الخامنئي. فقد أكد سماحته على أصل وقوعها واستمراريتها وبين خصائصها وأدواتها وحذر من الوقوع في شراكها ونبّه من أفخاخها. وقد اعتبرها مصدر تهديد رئيسي للنظام الإسلامي في إيران والصحوة الإسلامية ومحور المقاومة في المنطقة.

يقول سماحته:" في الحرب الناعمة يكون الهدف هو الشيء الموجود في قلوبكم وفي أذهانكم وفي عقولكم أي إرادتكم أي أن العدو يريد تبديل إرادتكم، تغيير الحسابات هو ما يريده العدو."

أهداف الحرب الناعمة

تستهدف الحرب الناعمة العقل والنفس الإنسانية، وتتجاوز تأثيراتها الأفراد لتطال الجماعة، وهي بذلك تستغل طبيعة خلق الإنسان، فكما يقول السيد محمد باقر الصدر: "الإنسان خلق حسيًا أكثر منه عقليًا".

فالإنسان يتأثر كثيرًا بالأمور المادية والإغراءات والغواية وفي أحيان كثيرة يبدو العقل وكأنه قد تعطل مع أنه يعمل ولكن مؤثرات الجسد تسيطر في كثير من الحالات على منطق العقل.

يقول الخامنئي: "الحرب الناعمة ترفع شعارات ودعايات محقة بالظاهر ولكنها باطلة في الباطن وتخلط الحق بالباطل، وللأسف فإن البعض يكرر دعايات وشائعات العدو عن قصد أو جهل."

على ذلك يمكن القول أنّ الحرب الناعمة هي أسلوب لفرض الإرادة وتأمين المصالح من دون الحاجة للجوء إلى القوة العسكرية والأساليب الخشنة بهدف:

1. تغيير الأيديولوجية الحاكمة في البلد المستهدف.

2. التقليل من المشاركة الشعبية في العملية السياسية.

3. تغيير الهوية الدينية وتشويهها .

4. سوق الأفكار العامة نحو ما يريده العدو بخلق تبعية فكرية له بسيطرته وتحكمه بالأخبار والمواد من توجيه وتأطير الأفكار والمعطيات والقضايا وقولبتها فيتم تكبير بعض القضايا الصغرى، وتصغير بعض القضايا الكبرى، واستخدام الإشاعات وسلاح الأكاذيب وتسمية الأحداث والقضايا بمصطلحات تتناسب مع أجندات وأهداف العدو.

5. إضعاف التضامن والانسجام الاجتماعي وإيجاد جو من التفرقة بين الجماعات المذهبية الدينية أو الفكرية، وإرباك الخصم في صراعات وانشغالات جانبية تؤدي إلى تخريب منظومة العلاقات بين أركانه، وتعطل الطاقات والبرامج وتوقف أي تحرك بمواجهة العدو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى مستوى التشتت والتآكل والانهيار والسقوط التدريجي.

6. تغيير قيم المجتمع واستبدال ثقافة المجتمع المستهدف وذلك عن طريق توظيف الواجهات الإنسانية والإعلامية للخداع فمحطات التلفزة العالمية التي تكون تابعة في الأصل للحكومة الأميركية أو البريطانية ما هدفها إلا شن الحرب الناعمة وتغليب حكوماتها.

7. تغيير النماذج الموجودة والرائجة في المجتمع ببرمجة الوعي وفرض مفاهيم قهرًا على العقول والقلوب والأبدان من خلال مجموعة أدوات يومية تمس حاجات الناس وتعاملاتها الإنسانية.

كيف نواجه الحرب الناعمة

1- الاقتناع والإيمان بأصل وجودها وديمومتها والفهم العميق لطبيعتها وآليات واستراتيجيات وتكتيكات عملها، فهي منظومة متكاملة مالم يتم الاقتناع بوجودها لا يمكن تحديد الأدوار المطلوبة من الأشخاص والمؤسسات والمنظمات ووسائل الإعلام المعادية، وبالتالي لن يمكن تمييز ومعرفة مدى خدمة تحركاته وخطواته لأهداف العدو.

2- الفهم الصحيح لآليات عمل الحرب الناعمة المتعددة المختلفة للتحسب والرد المناسب عليها والتعامل مع الموقف أملا في تحقيق النصر وهزيمة العدو وإدخال اليأس إلى قلبه.

3- العمل على تحقيق الوحدة والانسجام وذلك لإفشال مخططات الحرب الناعمة، فالوحدة بين مكونات المجتمع قيادة وشعبا بمختلف المذاهب والتيارات الإسلامية تعتبر من أهم عوامل القوة لمواجهة الحرب الناعمة.

4- تحلي الأفراد بالبصيرة والتشخيص الدقيق للقضايا والأحداث واتخاذ الموقف الحاسم تجاه القضايا والأحداث وعدم الوقوع في تشويشات العدو المانعة للرؤية الصحيحة.

5- تفعيل الحضور في الساحات والمشاركة في مختلف الفعاليات السياسية والدينية والعلمية... ومواصلة العمل على تقديم صورة مشرقة للنظام الإسلامي وتلبية الاحتياجات المادية والمعنوية المتوازنة التي تحقق كرامة الشعب ومواصلة تطوير البرامج والخطط والمناهج وفق رؤية إبداعية اجتهادية منفتحة تلتزم الموازين والمعايير الإسلامية.

6- الرصد المبكر لحركة العدو وسد مواطن الضعف في جبهتنا فذلك ضروري لأجل تشخيص توجهاتنا وتحركاتنا كي لا تقع أي خطوة وأي تصريح وأي عمل نقوم به في خدمة أهداف العدو من حيث لا نحتسب لأنه يحدد خطواته وتحركاته على ضوء تحركاتنا ومواقفنا وعلى ضوء رصده لنقاط الضعف والثغرات في جبهتنا.

7- تطوير كفاءة الإعلام الإسلامي وصناعة النموذج البديل.

8- العمل على أسلمة وعصرنة التعليم الجامعي ورفع قدرة التحليل لدى الطلبة الجامعيين وتوفير فرص العمل لهم.

9- تقديم صورة موحدة وواضحة عن الأفكار والعقائد والسلوكيات والقيم المطلوبة في المجتمع ويقتضي الأمر العمل ضمن فريق من أهل الاختصاص للاتفاق على العناوين الأساسية في هذه الأمور ويمكن كذلك الاستفادة من نفس وسائل وأدوات العدو طبقا للطرق المشروعة.

10- محاولة النفوذ إلى المنظومة القيمية والفكرية والثقافية للعدو والعمل على التأثير فيها.

11- وأخيرا تحصين الساحة الداخلية أمام الانحرافات ودعوات العدو ورفع مستوى العالم الإسلامي من الناحية العلمية والاقتصادية والأمنية بحيث تصبح إمكانية الضرر به تقارب الصفر وإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع والدقة في اختيار السلع الواردة وبالخصوص الثقافية منها والتأكيد على دور ومكانة النخب.

نختتم حديثنا ببعض مقولات السيد الخامنئي الداعية لمواجهة الحرب الناعمة:

" أيها الجامعيون...أنتم من الشباب وميدان جهادكم هو ميدان الحرب الناعمة"

" من يدقق في هذا الموضوع سيلاحظ أن خمسين أو ستين في المائة من المشروع قد نفذ عبر وسائل الإعلام والأساليب الثقافية"

" الشباب الجامعيون هم ضباط الحرب الناعمة أمام مؤامرات الغرب المعقدة."

" معرفة هذه الحرب تتحقق عبر ثلاثة أساليب هي الرصد والمطالعة والتحرك والمطالبة."

" إن الهدف المركزي للحرب الناعمة هو تحويل نقاط القوة والفرص إلى نقاط ضعف وتهديدات وقلب حقائق البلاد"

زهراء علي حسين


تعلیقات المشاهدین
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* رای: