قال تعالى: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }(1).
قال المخالف: إذا قلتم إن الوليّ هنا بمعنى الإمام، فهذا يلزم منه أن الله إمامنا، وهذا مالم يقله مسلم.
نقول: نحن لم ندّع
أن الوليّ دائما تأتي بمعنى الإمام، بل قد تأتي بمعان أخرى كالسيّد والعبد والمحبّ
والأولى بالتصرّف....
والوليّ في هذه الآية لا يستقيم معناها إلا بحملها على الأولى بالتصرّف. فكما أن
الله أولى بنا من أنفسنا، وكذلك النبي(ص)، فأيضا يثبت ذلك لمن ثبت أنه وليّنا.
ولو قيل: لماذا
خصصتم الولاية في عليّ وقد قال الله تعالى:
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (2)
نقول: في هذه الآية، نعم جاءت الولاية بمعنى المحبّة. لأن محبّة المؤمنين بعضهم
البعض واجبة. لكن في آية (إنّما وليّكم الله ورسوله...) الأمر ليس كذلك، بدليل أن
الله تعالى حصر من تجب ولايتهم وذلك بكلمة (إنّما) التي تفيد الحصر والإختصاص.فكيف
يعقل أن الله تعالى يقول في موضع إن المحبة لجميع المؤمنين، ثم في موضع آخر يحصر
المحبّة له ولرسوله وللذين يتصدّقون وهم راكعون فقط؟.
ولو قيل: جاء
الضمير في (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) بالجمع. فكيف يكون
المقصود منه شخصا واحدا؟
نقول: التعبير بلفظ الجمع وإرادة المفرد وارد في القرآن، وذلك مثل قوله تعالى: {يا
أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} (3) والمراد
به حاطب بن أبي بلتعة.
وأيضا قوله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} (4)
والمراد بالآية عبد الله بن أبيّ بن سلول.
وأيضا قوله تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّا وعلانية}(5) والمقصود عليّ عليه السلام.
فهذه بعض الموارد التي يأتي فيها لفظ الجمع ويراد به المفرد.
قال الزمخشري في هذا الصدد: فإن قلت: كيف صحّ أن يكون لعليّ (ع) واللفظ لفظ جماعة؟
قلت: جيئ به بلفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغّب الناس في مثل فعله
فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أن سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من
الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لايقبل التأخير وهم في
الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها (6)
أما لو قيل: إن التصدّق بالخاتم
لايسمّى زكاة.
قلنا: إن تعيّن معنى الزكاة في معناها المصطلح إنّما تحقّق بعد نزول القرآن
بوجوبها وتشريعها في الدين، وإلا فالمعنى اللغوي لها أعمّ من ذلك، إذ إنها تشمل
مطلق ما ينفق لوجه الله. وقد تأتي بمعنى الصلاة.
وقد ادّعى غير واحد من المخالفين _ ومنهم ابن تيمية _ أنه لا توجد آية قرآنية صريحة في إمامة عليّ عليه السلام. لكن حينما نراجع تفسير ابن أبي حاتم نراه يعترف بنزول هذه الآية في عليّ (ع) وبرواية صحيحة السند، وهو الذي ذكر في مقدّمة تفسيره أنه لا يروي في تفسيره إلا بالأسانيد الصحاح.
فقد ذكر في تفسيره: حدّثنا أبو سعيد الأشج عن الفضل بن دكين عن موسى بن قيس الحضرمي عن سليمة بن كهيل قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: { إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }(7).
أمّا سند الرواية:
أبو سعيد الأشج : قال عنه النسائي : صدوق ،وقال ابن حجر العسقلاني: ثقة
موسى بن كهيل الحضرمي: قال عنه النسائي: ثقة ، وقال ابن حجر العسقلاني: ثقة ،يحيى بن معين: ثقة
الفضل بن دكين: قال عنه أبو داود: حافظ جدا، و النسائي: ثقة مأمون ، وقال ابن حجر العسقلاني: ثقة و قال الذهبي: حافظ
موسى بن قيس الحضرمي : قال عنه ابن حبّان: ثقة، الذهبي: ثقة شيعي ، يحيى بن معين: ثقة
بالتالي فالرواية صحيحة السند.
ثمّ حتى لو سلّمنا بعدم وجود تفسير يؤيّد ما ذهبنا إليه. فإنّه يكفي وجود حديث واحد صحيح عن النبي(ص) يبيّن فيه من هو هذا الوليّ الذي لم يذكر اسمه في الآية الكريمة.
قال رسول الله (ص): ‘’ إن عليّا منيوأنا منهوهو وليّ كلّ مؤمن بعدي‘’(8).
إذن، فالله تعالى يقول إن وليّكم هو الذي تصدّق حال ركوعه في
الصلاة.........والنبيّ(ص) يقول إنّ عليّا هو وليّنا بعده، وهنا ثبت أن المقصود من
الوليّ في الآية هو عليّ بن أبي طالب (ع).
السيد الإدريسي الجزائري
(1)المائدة 55
(2)التوبة 71
(3)الممتحنة 1
(4)المنافقون 8
(5)البقرة 274
(6)الكشّاف للزمخشري 623/1
(7)تفسير ابن أبي حاتم الرازي ص 1162. [6554]
(8)المستدرك على الصحيحين.قال: حديث صحيح ووافقه الذهبي [4579]. وسلسلة
الأحاديث الصحيحة للألباني ج5 ص261 قال: إسناده صحيح.
