بینات

تآریخ النشر: 16:51 - 2017 June 01
كانت الأنظمة ولا تزال تتعامل مع غيرها من الأنظمة وفق مصالح تخدمها وتخدم شعبها، وهذا أمر واضح وجليّ، وتعمل به كلّ الدول في العالم، فكلّ دولة تسعى بطبيعتها إلى تعزيز العلاقات مع جيرانها، كما وتبذل قصارى جهدها لحفظ كيانها وحدودها وتعزيز قدراتها داخليا وخارجيا. لكنّ الكلام كلّه يكمن في تحديد هذه المصالح، وتشخيص مايعود عليها بالنفع أو العكس. فكثيرا ما نرى دولا تخطئ في تحديد وتشخيص مصالحها فتقع في ما لا يحمد عقباه. والتاريخ خير شاهد على ذلك.
رمز الخبر: 75

كانت الأنظمة ولا تزال تتعامل مع غيرها من الأنظمة وفق مصالح تخدمها وتخدم شعبها، وهذا أمر واضح وجليّ، وتعمل به كلّ الدول في العالم، فكلّ دولة تسعى بطبيعتها إلى تعزيز العلاقات مع جيرانها، كما وتبذل قصارى جهدها لحفظ كيانها وحدودها وتعزيز قدراتها داخليا وخارجيا.

لكنّ الكلام كلّه يكمن في تحديد هذه المصالح، وتشخيص مايعود عليها بالنفع أو العكس. فكثيرا ما نرى دولا تخطئ في تحديد وتشخيص مصالحها فتقع في ما لا يحمد عقباه. والتاريخ خير شاهد على ذلك.

فهذه أمريكا بقوّتها ونفوذها في المنطقة وأسلحتها الفتّاكة مالبثت أن دخلت أفغانستان حتى خرجت منها خائبة تجرّ ذيل الهزيمة من ورائها، وذلك بعد خسرانها للعديد من جنودها، وخروجها مقهورة مدحورة.

لم تعتبر أمريكا من ماضيها، فدخلت العراق سنة 2003 بحجّة وجود الأسلحة الكيماوية والممنوعة دوليّا والمخزّنة تحت الأرض من طرف النظام العراقي آنذاك، لكنها في الحقيقة دخلت وبترول العراق صوب عينيها، فكان في أولى أيامها سقوط الطاغية صدّام الذي أذاق شعبه المرّين واضطرّه إلى أن يختار أهون الأمرين.

لكن وبعد سقوطه أحسّ العراقيّون بخطر وجود الجيش الأمريكي على أرضهم وتنبّهوا إلى أن دخول أمريكا أرضهم لم يكن إلا لاستنزاف خيراتهم والتحكّم في موارد البلاد  وعبادها، وهنا قرّر العراقيّون إخراج عدؤّهم من أرضهم عن طريق القوّة والسلاح بعدما فشل أسلوب الحوار في النجاح. فتشكّل ما يعرف بجيش المهدي فراح يقاتل عدوّه بشراسة إلى أن أخرجه من أرضه مدحورا مذعورا.

والنتيجة، خسران أمريكا الحرب، ومقتل الآلاف من جنودها،بالإضافة إلى تنديد الشعب الأمريكي آنذاك ومعارضته البالغة لسياسة جورج بوش الذي أدخل بلادهم في أزمة مالية إضافة إلى خسائر مادية وبشرية واضطراب علاقاتها السياسية مع كثير من دول المنطقة.

لكن، وللإنصاف، فإن أمريكا لا يتوقّع منها حماية شعوب المنطقة وهي التي تسبّبت في خراب كثير من بلدان العالم، كما لا ينتظر منها الدفاع عن حقوق الإنسان وهي التي خرقت كلّ القوانين الدولية ووضعتها تحت أقدامها، كلّ هذا خدمة لمصالحها المتغطرسة وتقوية لحلفاؤها وخدمها، وعلى رأسهم إسرائيل المحتلّة.

وأمّا سبب بقائها قويّة إلى يومنا هذا، مع كلّ هذه الجرائم التي ارتكبتها والحروب التي خاضتها، فلأنّ لها ضروعا تحلبها كلّما اقتضت الحاجة ذلك، ثمّ تلقي بها بعيدا حين يجفّ لبنها. وهذا مافعلته بالكثير من رؤساء الدول العبرية _ عفوا أعني العربيّة _ إبتداء بصدّام الذي انتهت مدّة صلاحيّته ومرورا بزين العابدين رئيس تونس ثمّ حسني مبارك الذي قضى عقودا من الزمن يخدم مصالحها في المنطقة. والسؤال هنا: أين هؤلاء الحكّام وبلدانهم، وأين أمريكا اليوم؟

ولا عجب في ذلك، مادام أن هناك أنظمة في العالم العربي دورها الوحيد إرضاع الطفل بلا قيد ولا حساب، إلى أن يكبر هذا الطفل فيصبح صبيّا فشابّا ثمّ رجلا، في الوقت الذي تلقي فيه هذه الأنظمة العربية بعينها إلى المرآة فإذا هي عجوز شمطاء لا تقدر حتى على القيام إلا بالإستناد على غيرها، وهنا يأتي هذا الغير ليلقي بها في دار العجزة لأن دورها قد انتهى، فيصبح الدور لغيرها من المرضعات. ولا عجب من ذلك، فإن هذا الرجل لا يعترف بصداقات الماضي، كلّ ما يهمّه هو أن يصبح رجلا قويّا يستطيع فعل ما يشاء، ولا أحد يحاسبه على أفعاله.

يوما ما، وقع هذا الرجل في أزمة لبن، وإذا به يتوجّه إلى بلد الوحي، البلد الذي به قبلة المسلمين وكان مهبطا لوحي ربّ العالمين، لكن.....يا للمصيبة، فقد تحوّل هذا البلد الأمين إلى مصنع حليب يغطّي احتياجات المشركين، كما ويزوّد بموارده الطبيعيّة والماديّة الكافرين.فقد جاء ترامب وعاد ومعه مليارات الدولارات عبارة عن جزية في مقابل بقاء هذه البقرة الحلوب على قيد الحياة.

إنّها قمّة العار، قمّة الذلّ والإستحقار. رئيس دولة كافرة يجمع أكثر من خمسين رجلا مابين رئيس دولة ووزير، يجمعهم عند بيت الله ليقنعهم بأن إيران عدوّة لله!!!

قمّة الرياض لارضي الله عنها ولا عن أصحابها الذين باتوا لا يميّزون الصديق من العدوّ، سارعوا إلى قمّة مشؤومة رافعين شعار: ‘’ السير على منهج ابن عبد الوهّاب وجعل إيران على قائمة الإرهاب ‘’.

ثمّ جعلوا أيديهم على أيدي بعضهم فقرّروا أن الخطر القادم وأنّ السمّ الهادم هو إيران، وأنّها سبب مصائب العالم وسبب خراب المنطقة.

كنّا نرى السعودية ودول الخليج عميان البصيرة فقط، فإذا بهم عميان البصر والبصيرة. ثم يا ليتهم اجتمعوا لأجل الدفاع عن اليمن المستضعف الذي لا يزال محاصرا منذ فترة طويلة، والجوع يقتل شعبه في شهر الرحمة والبركة. فلا بارك الله فيكم يا آل سعود. وليتهم دافعوا عن شعب البحرين الذي دخل عامه السابع مطالبا بحقوقه الوطنية والإنسانية بمظاهرات سلميّة، أوعن العراق الذي أدمته الجراح وأعيته القراح، ولماذا لم يجتمع قرارهم على دحر داعش والنصرة اللّتين أغرقتا منطقة الشرق بالدماء وعاثتا فيها فسادا وخرابا.

ثمّ من هي إيران هذه يا ترى؟ والتي أصبحت تهدّد أمن المنطقة ، وأصبح اسمها متصدّرا لائحة الإرهاب عند هؤلاء الأعراب؟

إيران هي أول من أسّس لأسبوع الوحدة الإسلامية، والدفاع عن فلسطين والقدس، بل وعن كلّ المستضعفين في العالم. وقد كان هذا شعار السيد الإمام الخميني قدّس سرّه.

إيران هي أكثر الدول مساندة لقضية القدس، فقد احتضنت حركاتها الجهادية ودعمتها بمختلف الأسلحة والتقنيات الحربية، كما قد دعمتها ماديا ومعنويا بالوقوف إلى جانبها في الوقت الذي كان يتسارع فيه هؤلاء الأعراب إلى لحس قصاع أمريكا وإسرائيل.

حاصرت إسرائيل غزّة واجتاحتها وأخذت ترمي بقنابلها على شعب أعزل، كما راحت تقتل بلا رحمة ولا شفقة وتقصف بصواريخها التي أضحت لا تفرّق بين الصغير و الكبير، ولا بين الرجل و المرأة.....هنا قامت إيران بإرسال الأسلحة والذخائر للحركات الجهادية في فلسطين وكان ممّا أرسلته لهم صواريخ الكاتيوشا التي لعبت دورا بارزا في حسم المعركة وانتصار الحركات الجهادية وهزيمة هذا الجيش الذي هو أهون من بيت العنكبوت.

دعمت إيران فلسطين في وقت تخلّى العالم كلّه عنها، بل وحتى العرب. فأين كانت السعودية وحلفاءها؟ ولماذا لم نسمع تنديدا واحدا منها لما كان يحصل لهذا الشعب العربي الأعزل؟ولماذا لم تفت بوجوب الجهاد هناك كما أفتت بوجوب الجهاد في سوريا؟!

الجواب واضح وجليّ. فإيران وحلفاؤها في المنطقة لا يسجدون إلا لله، ولا يخضعون لأعدائه، كما أن لديهم مبادئ لا يساومون عليها، وخطوطا حمراء لا يسمحون لأيّ أحد تجاوزها. أمّا المبادئ فتتمثّل في الدفاع عن المستضعفين في الدول العربية والإسلامية، بل وفي كلّ بقاع العالم، والسعي إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية وتسطير الوحدة بين المسلمين كافّة، ومن خفي عليه هذا فما عليه إلا بإلقاء نظرة خاطفة على مؤتمراتها السنوية في طهران وذلك بحضور شخصيات عربية وإسلامية من كلتا الطائفتين، هدفها الوصول إلى الوحدة الإسلامية التي تضرب أمريكا وإسرائيل بيد من حديد، وتضرب كلّ  من لفّ لفّهم وسلك طريقهم.أمّا الخطوط الحمراء فتتمثّل في قضيّة القدس التي كانت إيران ولا تزال تدافع عنها، ولا تسمح لأيّ أحد المساس بها.

العالم كلّه يشهد بأن إيران لم تحتلّ بلدا يوما ما، ولم تتدخّل في سياسات الدول الأخرى، بعكس أمريكا وإسرائيل المتعطّشتين لدماء المستضعفين. 

إنّه من المضحك حقّا أن نصل إلى يوم نرى فيه تجريم المجرم لمن وقعت عليه الجريمة.

نعم. إيران اليوم تدفع الثمن، وكذلك سوريا  وحزب الله، يدفعون ثمن مبادئهم التي تمنع المساس بقضية فلسطين والقدس. يدفعون ثمن عدم خضوعهم للقوى الإستكبارية في العالم وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل اللّتين أصبحتا تصدر القوانين وتتكلّم باسم حقوق الإنسان، وهي آخر من يحقّ له التحدّث فيها.

المؤمن لا يلدغ من الجحر مرّتين. والعاقل يعتبر من الماضي، والمبصر يرى الواقع بكلتا عينيه.لكن السعودية ودول الخليج عموما لازالوا يعيشون أوهامهم ويفكّرون بمنطق اللامنطق. فبدل أن يضعوا يدهم في يد دولة مسالمة شهد لها التاريخ بأمانتها وشرفها وقوّتها. راحوا يعاهدون الكفّار بسحق دولة مسلمة وبمحاولة القضاء عليها بحجّة أنها داعمة للإرهاب! فليت شعري، أهناك إرهاب أكبر وأخطر من اجتماع دول عربية بزعامة رئيس كافر يأمرهم بالقضاء على دولة لم ترض لنفسها إلا أن تعيش معزّزة مكرّمة لا يتحكّم فيها الغرب ولا أزلامهم من الأعراب المنافقين الذين باعوا دينهم بدنياهم، هذا مع التسليم بأنّ لهم دينا.

وخلاصة القول هو أن الدول التي لا تحسن اختيار الصديق سوف تكون خاتمتها حسرة وعواقبها وخيمة، وقد شهد التاريخ على أمثال هؤلاء بذلك، لكن يبدو أن العرب قرّروا ألا يعتبروا.

بقلم السيد الإدريسي الجزائري.

تعلیقات المشاهدین
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* رای: