بینات

تآریخ النشر: 13:47 - 2017 November 10
نصحية لأبنائنا الشباب
من أكبر الأوهام التي صدرتها لنا النظرة الغربية للإنسان بمدارسها الفلسفية والنفسية والاجتماعية المختلفة تلك الصورة المشوهة عن مرحلة الشباب، وكونها مرحلة الانعتاق من كل السجون، والتحرر من كل القيود، وأن الإنسان فيها خاضع لكل ما تمليه عليه أهواؤه وغرائزه ومجتمعه وبيئته.
رمز الخبر: 80

من أكبر الأوهام التي صدرتها لنا النظرة الغربية للإنسان بمدارسها الفلسفية والنفسية والاجتماعية المختلفة تلك الصورة المشوهة عن مرحلة الشباب، وكونها مرحلة الانعتاق من كل السجون، والتحرر من كل القيود، وأن الإنسان فيها خاضع لكل ما تمليه عليه أهواؤه وغرائزه ومجتمعه وبيئته.

وقد استثمر في نشر هذه المفاهيم كل أولئك الدجالون الذين ربّاهم الشيطان على عينه، ثم كلفهم بتحريف حياة الإنسان عن مسارها الذي رسمه الله لها، والذي يعني العبودية لله تعالى، والخضوع لشريعته وسننه، وهو الخضوع الوحيد الذي يحرر الإنسان من تلك القيود التي قيده بها من يوهمونه بالتحرر والانعتاق.

ولذلك فإن الشاب في هذه المرحلة الحساسة يتعرض لمجموعة اختبارات صعبة تكشف جوهره، وتبلي سريرته، وتظهر حقيقته...واختياراته فيها هي التي تحدد مسيرة حياته جميعا: إمّا في طريق الإنسان الكامل الذي يمتثل لما تتطلبه حقائق الوجود المطلقة، والتي تدعوه إلى مجاهدة النفس ورياضتها لتتحلى بكل القيم النبيلة، والأخلاق الحسنة، والروحانية السامية.

وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: «فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)» 1

فالآلام -كما تنص الآيات الكريمة- لا تلبث حتى تتلبس بمن طغى وتكبر وابتعد عن السنن التي رسمها الله للكون والحياة والإنسان، وهي آلام ناشئة عن مخالفة الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان.

وفي مقابل ذلك تتنزل السكينة والسعادة وكل أنواع المسرات، بمن خالف الهوى، وابتعد عن الوساوس الشيطانية، وسما بنفسه للمعالي، واجتهد في تحصيل جواهر الكمال التي تتمخض عنها الاختبارات الإلهية الموجهة له.

وهذه الاختيارات تبدأ من نفسه وجسمه وهندامه...والذي يجاهد نفسه فيه حتى لا يترك لشياطين الإنسان والجن تغييره وتبديله بما يتوافق مع وعد الشيطان الذي أخبر الله تعالى عنه أنه قال -متوعدا-: «وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ» 2

وهي تمتد بعد ذلك للمجتمع، وتحليه بكل قيم الصدق والإحسان والأدب في معاملته مع والديه وإخوانه وجيرانه وأصدقائه، وكل من تربطه بهم علاقات اجتماعية، لأن الله يسأله عنها أكثر مما يسأله عن صلاته وأذكاره، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقضى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" 3

وهي تمتد بعد ذلك لتشمل وظائفه التي كلف بها من دراسة أو وظيفة أو أي مسؤولية من المسؤوليات، فهو ليس حرّا في أن ينتهج فيها بما تمليه عليه أهواؤه، وإنما هو مطالب بأن يمثل فيها دينه وقيمه ومبادئه أحسن تمثيل، ليكون كما ورد في الحديث: " كالشامة بين الناس " 4

هذه هي الرؤية الإسلامية لمرحلة الشباب...مرحلة الاختيارات الصعبة التي تميّز الإنسان عن الشيطان...وبمقتضاها يصعد الإنسان في معارج الكمال، أو ينزل إلا مهاوي الضلال...وكل ذلك باختياراته التي يختارها لنفسه...فالله لا يعطي الإنسان إلا نتائج اختياراته «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» 5



النازعات: 37 – 41

النساء: 119

رواه أحمد 2/303 (8016)

رواه الحاكم ( 4 / 183 ) وأحمد ( 4 / 180 )

5 فصلت: 46


تعلیقات المشاهدین
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* رای: