بینات

تآریخ النشر: 18:48 - 2017 May 03
عندما نتحدث عن" الإعـلام المذهبـي" فإننا نتحدث في الحقيقة عن حدين لم يفترقا أبدا، عند أي شعب من الشعوب، و لا في أي لحظة من اللحظات. هذان الحدان هما، إعـلام / مذهب. لكن دعنا أولا نحدد معناهما لنتعرف على خلفياتهما.
رمز الخبر: 64


(1) مقدمـات عامـة: عندما نتحدث عن" الإعـلام المذهبـي" فإننا نتحدث في الحقيقة عن حدين لم يفترقا أبدا، عند أي شعب من الشعوب، و لا في أي لحظة من اللحظات.

هذان الحدان هما، إعـلام / مذهب. لكن دعنا أولا نحدد معناهما لنتعرف على خلفياتهما.

+أ+ الإعـلام:و هو مِن أخذ العلم، المعلومة، الفكرة. و هذا المعنى كانت تقوم به و لا تزال وسائل إعلامية كثيرة ومتنوعة، قديما و حديثا. فقديما كان مثلا سوق عكـاظ عند العرب في جاهليتهم الأولى، حيث كان الشـاعر الوسيلة الإعلامية الثقيلة و المفضلة عند كل القبائل، حتى أن التاريخ يروي لنا أن القبيلة التي ينبغ فيها شاعر كانت تحتفل به. و فعلا لقد كان الشاعر آنذاك بمثابة الصحفي الآن، أو الناطق الرسمي باسم القبيلة، إلى جانب الخطيب.

ثم تطورت المسألة إلى الكتاب، و في العصور الحديثة تم بعث صور إعلامية قديمة، كالمسرحية مثلا، إضافة إلى استحداث وسائل إعلامية ثقيلة حقيقة كالتلفزة مثلا، إضافة إلى الفيديو و الإنترنت.

+ب+ أما عن المذهـب، فهذا وصف للإعلام..الإعلام هنا منسوب إلى مذهب، دين، إيديولوجية، أي أنه يحمل خصائص ذلك المذهب و الدين و الإيديولوجية. فيصير الإعلام هنا خادما للمذهب، و المذهب حاكما على الإعلام و موجها له.

و هاهنا ندخل إلى مسألة بقدر ما هي مهمة، هي خطيرة.

لا أتصور مبدئيا أن ثمة إعلاما " موضوعيا" مستقلا عن خلفيات إيديولوجية، فلسفية، قيمية، و لا عن مصادر تمويلية نزيهة عن أية غاية مذهبية، لأن هذه المصادر هي في النهاية تعبير عن احتكارات و شركات للسلاح مثلا، إنتاجا و تسويقا.

في الجانب السياسي مثلا: يتكلم البعض عن العلمانية، أي فصل الدين (و الأخلاق تبعا له) عن السياسة. و هذا المفهوم تم نقله إلى الحياة الاقتصادية، فأصبح البعض يتكلم عن "علمانية اقتصادية". و في موضوعنا هذا يمكن لنا أن يتكلم عن "علمانية إعلامية". و كما كانت "العلمانيـة السياسيـة"خطرا على البشرية إذ ولدت أنظمة سياسية أنانية مفرطة في الأنانية ومحرومة من كل نظرة قيمية (غائيـة) للإنسان، و كما ولدت "العلمانيـة الاقتصاديـة" أنظمة متوحشة موغلة في الجري وراء الربح المادي السريع في أقصر وقت و بأقل التكاليف الممكنة حتى غدا العالم تتنازعه " ثقافـة الغـاب"، أو ما عبر عنه الفيلسوف الإسباني ذو الأصل اليهودي " باروخ سبينوزا " [ BAROCH SPINOZA] من أن " السمك الصغير له الحق في أن يسبـح، و السمك الكبير له الحق في أن يأكـل "، أقول: فكذلك "العلمانيـة الإعلاميـة" ولدت إعلاما فاسدا، مفسدا، ضالا، مضلا، يدعي "الواقعيـة " و " الموضوعيـة " و هو يصور و ينقل و يبث صورا خليعة بين الجنسين، بل بين أفراد الجنس الواحد، فيما أصبح يُعرف بـ "الزواج المثلـي". و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

و عليه: فكما أصبح البعض يدعو إلى " أخلقـة " الحياة السياسية من أجل تجنيب البشرية ارتدادات المكيافيلية التي تعطي الأولوية للغاية على حساب الوسيلة، و كما أصبح بعض آخر يدعو إلى " أخلقـة " الحياة الاقتصادية من أجل تجنيب العالم النتائج الكارثية لفلسفة الطمع و الجشع التي راحت ضحيتَها الشعوبُ المستضعفةُ في أكثر من بقعة في هذا العالم، فكذلك يحق لنا أن ندعو إلى " أخلقـة " الحياة الإعلامية، من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة و المجتمع، الضامن الوحيد لـ " أنسنـة " العلاقات بين البشر، في مقابل أولئك الذين يعملون على " أبلسـة " هذه العلاقات.

و هاهنا لا يمكنني إلا أن أشير إلى قوله تعالى من سورة النور المباركة: " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة ". فقد عبر الله تعالى عن تلك العملية بــ : " يحبـون " و لم يقل: " يريدون "، ذلك أن فعل " يحبـون " يشير بذاته إلى حالة نفسية مريضة، غير سوية، من طرف المحب لما يمكن أن يصيب المجتمعَ الإسلاميَ من مفاسد و انحرافات، دون أن يعمل هذا المحب على إشاعة الفاحشة فيه بصورة مباشرة، بينما يشيـر فعل " يريدون " إلى إرادة نفس الفعل الإنحرافي من طرف المريد. و هكذا فإذا كان الشخص يتمنى انحراف المجتمع الإسلامي ويرضيه ذلك، و هو يرى مثلا موجات العري تنتابه و حملات التنصير و التهويد و التميع تنتشر فيه، ثم يرضى بذلك و كأنه يجد هوى في نفسه، إن هذا الشخص معني بذلك التهديـد الإلهـي الذي ذكرته الآيـة الشريفـة السابقـة.كل هذا، فما بالك بالذي يعمل و يجتهد و يسعى إلى ذلك الانحراف و يشيعه بين الناس و يدعو إليه ؟. و بهذا تسقط دعوى "الموضوعيـة" و "الواقعيـة" في الإعلام، مهما كانت صورة هذا الإعلام، من مرئي (تلفزة) أو مسموع ( راديو) أو مكتوب (كتب / مجلات...)، أو غيره من وسائل الدعوة و التبليغ. و كم كانت معبرة تلك الكلمة التي قالها أبو القنبلـة النوويـة الأمريكيـة " أوبنهايمر" [OPPENHEIMER ] لطلبته و هو يرى النتائج الكارثية المدمرة في " هيروشيمـا " و"ناغازاكـي": " لقد علمتكم العلم، و لم أعلمكم الأخلاق".

وعطفا على هذا أقول: لو أن البشرية اهتدت بالهدي القرآني لما وصلت إلى هذا الحضيض. قال تعالى في أول سورة "اقـرأ"، و هي أول سورة تنـزل على الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم: " اقـرأ باسـم ربـك الذي خلق".و سواء كان مفهوم " الرب" هنا بمعنى" المدير" أو " المدبر " أي الذي يشرف على شؤون الناس، أو بمعنى " التربية " المرادف لمعنى " حسـن الأخلاق"، فإن المعنى واحد بالنتيجة العملية. ذلك أن الرب المدبر/ المدير إنما يدبر/ يدير شؤون خلقه و رعيته وفق منظومـة قيمية تأخذ بعين الاعتبار مصالح العباد، و تضمن كرامتهم و تحقق إنسانيتهم، و تنفي كل صور الظلم و الانحراف عن حياتهم. و هذا ما تحققه كذلك الأخلاق.

و إلى جانب هذا البعد " القيمي" أو " المؤدلج" في الإعلام، ثمة كذلك بعد آخر فيه سائد في الغرب، هو " الإعلام المعسكر"، أي الإعلام الموجه وفق رغبات منتجي و مصدري الأسلحة.[ CNNنموذجا].

(2)وظيفـة الإعلام الإسلامي/ المذهبي: و إذا كان الإسلام قد أثيرت حوله جملة من الشبهات، فإن مذهب أهل البيت عليهم السلام قد أثيرت حوله نفس هذه الشبهات، إضافة إلى أخرى انفرد بها، ليس هاهنا مجال سردها، إذ باتت معروفة للجميع، بفعل الإعلام المضلل و الدعاية الكاذبة المغرضة.

المهم هاهنا أن وظيفة الإعلام الإسلامي عامة، و المذهبي منه خاصة هي وظيفة مزدوجة:

+أ+: أن يعمل على تصحيح النظرة إلى الإسلام ككل، فيما يتعلق بالشبهات العامة المثارة حوله، و تصحيح النظرة إلى المذهب فيما يتعلق بالشبهات الخاصة المثارة حوله كذلك.

+ب+: و أما ثانيا فهي الوظيفة المتعلقة بحالة الجهل بالدين و بالمذهب. فتكون المهمة هاهنا هي مهمة الدعوة و التبيلغ.

إنه في الحقيقة لا قيمة لفكرة أو مذهب أو دين... مهما كان ساميا، بدون " إعلام " و "دعوة " و " تبيلغ". و هاهنا تبدو واضحة المهمة الأخلاقيـة التوعويـة لـ " الإعلام الإسلامي / المذهبي". فهو ذو مهمة نبيلـة، مسؤولـة، مهمته الأولـى و الأخيرة:ربط الناس بالله تعالى و رسوله و أئمة الهدى، و تبيين القيم الكبرى و الحقيقية للدين و المذهب الحق.كل ذلك من خلال سوق الناس إلى الله بالحكمة و الموعظة و القول للناس بالحسنى.( دور الإمام الصادق عليه السلام):.:.:.:.:.:.

و أنا أزعم أن وظيفة الإعلام الإسلامي في مثل هذه الحالة هي نفسها وظيفة الدولة الإسلامية، أو ما عبر عنه الشهيد السعيد، آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه بشأن الأئمة عليهم السلام: تنوع أدوار و وحدة هدف.

ذلك أن الدولة في الإسلام لها بعد أخلاقي، قيمي، و اجتماعي تؤديه من خلال الممارسة السياسية: فهي كما تحارب الفقر و الجريمة، و تعمل على فرض النظـام و الأمن، تعمل كذلك على حراسة قيم المجتمع من الذوبان و التلاشي، و تدعيم قيم العدالة و الكرامة الإنسانية. بل لها بعد عقيدي إذ أنها تعمل على إعداد الناس لليوم الآخر من خلال توفير جو النظافة الفكرية و العملية المساعد على لقاء الله تعالى على صورة يرضاها.

إن حراسة الدين و سياسية الدنيا هما وجهان لعملة واحدة: هي إحقاق الحق و إبطال الباطل. و كما نهانا الله تعالى عن الظلم و جعل العدل و الميزان أساس الحق و الخلق، جعل كذلك محاربة الفحشاء و الرذيلة مسؤولية الأنبياء العظام و الأئمة من أهل البيت النبوي الشريف. و هذه الوظيفة كما يقوم بها الحاكم، مهما كانت صورته، و بأي زي تزي، هي كذلك مهمة العلماء و الدعاة و كل من أتيحت له فرصة التحدث إلى الناس ومخاطبتهم، بأي وسيلة من الوسائل.

وفي مقابل ذلك، نرى أن الغرب لم يتخل في أي يوم من أيامه عن "وظيفة القهر " و " ممارسة السيطرة " و "منطق الإخضاع"، تحكمه في ذلك نزعة فرعون: " ما أريكم إلا ما أرى، و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد "، لذلك هو يعمل الآن بقوته التكنولوجية و ترسانته الإعلامية على تحقيق ما عجز عن تحقيقه بـ " بـ 52 " و " التوماهاوك".

إن الغرب كان و لا يزال يعمل على " تزييـف وعـي النـاس "، بينما يصبو الإسلام إلى تحقيق حالة "وعـي النـاس بالتزييـف". ذلك أن الإعلام الإسلامي توعوي تعبوي استنهاضي. الأول مسلح بالكذب و الأباطيل من خلال وسائل إعلامه و إعدامه ( إذ أنه يهدف إلى إعدام العقل و الروح و الأخلاق في الإنسان)، بينما نحد أن العملية الإعلامية في الإسلام تقوم على آية: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا "، و التبين هو تثبت و إعمال للعقل من أجل التحقق من الخبر و المخبر، إلى جانب القيم الأخلاقية الكبرى التي جعلها الإسلام برنامجا يوميا للمسلم، كعدم الكذب مثلا، وعدم الجهر بالنصيحة حتى في الحق، أي عدم التشهير كما هو واضح في الحملات الانتخابية في أمريكا، حيث تسقط كل الموانع المانعة من السقوط، خلافا لما هو الحال في الجمهورية الإسلامية حيث يذكر سماحة الإمام القائد حفظه الله تعالى المترشحين بضرورة التزام المعايير الإسلامية في طرح البرامج و الدفاع عنها. وكذلك قول كلمة الحق. أي أن العمليتين الإعلاميتين تتناقضان من حيث قيمهما الدافعة والموجهة لهما، و من حيث غاياتهما، حتى و إن كانت الوسائل واحدة.

إن " أدلجة" الإعلام ليست فقط أمرا ضروريا، بل هي أمر واقعي، سواء في صورة "حوار الحضارات"، أو في صورة "صراع الحضارات". فليست ثمة محطة تلفزية غير مؤدلجة، أو غير خاضعة للوبيات سياسية و اقتصادية.

إن كل الديانات في الدنيا هي ديانات مسلحة بإعلام ثقيل قوي لا يفتأ يمارس عمليات الشحن و التعبئة بالنسبة لأتباعها، و الدك الأخلاقي و الحضاري بالنسبة للآخرين.

إن لكل قناة "منتوجا " تريد أن تسوقه، أو " رسالة" تريد تبليغها. و بالنسبة لقناة إسلامية بمواصفات الإسلام، أو مذهبية بمواصفات المذهب عليها أن تجيب عن 3 أسئلة:

الأول: من أنا؟

الثاني: ما هي علاقتي بالآخر؟

الثالث: كيف أبلغ لهذا الآخر رسالتي؟

و إنه من الغباء، أو من الخطر أن نتعامل مع " الرسالة الإعلامية " كما نتعامل مع أية سلعة نصدرها أو نستوردها. و إذا كانت للدول مختبرات تراقب نوعية المنتوج المصدر منها و المستورد إليها، و لا تسمح إلا بالسلعة التي لا تشكل خطرا على السلامة العامة، صحيا و بيئيا، فكيف لا يصار إلى تطبيق هذه القواعد للسلامة العامة فيما يتعلق بالأفكار، التي هي في الحقيقة

برامج ومشاريع مجتمع، تختلف من بيئة حضارية إلى بيئة حضارية أخرى؟ بمعنى آخر : إذا كنا نراقب ما يدخل بطوننا ، فكيف لا نراقب ما يدخل عقولنا و قلوبنا؟

و إذا كانت التبعية الغذائية و الدوائية و العسكرية مثلا تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني لأية دولة في العالم، بل و تشكل خطرا على الأمن الوطني فيها، فكيف بالتبعية الفكرية و الإعلامية و الإيديولوجية؟

لذلك خطورة المسؤولية الملقاة على عاتق الإعلام. فهو يهدف إلى تعميق الانتماء الديني و الحضاري و ترسيخ فكرة الهوية الوطنية للذي يتوجه إليه.

(3)الإعـلام المذهبـي و الجمهورية الإسلامية: مصعب بن عمير يُبعث من جديد: هذا، و قد استفاد الإعلام المذهبي في السنين القليلة الأخيرة من تقنية القنوات الفضائية. و هو ما جعل مذهب أهل البيت عليهم السلام يغطي من المساحات الجغرافية الشيء الكثير مما لم يكن يغطيه سابقا.

إن القناة الفضائية ليست مسألة تقنية فحسب( شراء الأجهزة/ كراء الساتيلايت/ المكاتب الفخمة/ الموظفون ذوو البدلات الفخمة...)، و لا هي مسألة تمويلات فحسب.بل هي وسيلة علمية تكنولوجية فائقة الدقة، و إيديولوجية قيمية، حضارية.

إن أول ما يمكن ملاحظته ها هنا أن الكثير من القنوات العربية/ الإسلامية تعيد بث ما تشتريه من الغرب من أفلام وحصص و أشرطة تاريخية و علمية و اجتماعية، فكأننا نعطي للغرب الثمن مضاعفا: نشتري منه بضاعته بأموالنا، ثم نقوم بتسويقها بأموالنا أيضا. و نحن بذلك نقوم بدور أسوأ من دور موزع البريد: الموزع يوزع منتوجا ما لغيره و يتلقى أجرا لقاء ذلك. أما القنوات الفضائية العربية / الإسلامية فهي توزع بمجهودها و أموالها ما ينتجه الغير. و من هو هذا الغير هنا ؟ إنه الغرب الفاقد لكل بوصلة. و في هذا خسران مضاعف. و إذا أضفنا إلى هذا مسألة القيم الموجهة لهذا "المنتوج" كانت الكارثة مضاعفة. و كأننا أصبحنا مرادفا لليهود الذين " يخربون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين "، فنحن أصبحنا نخرب بيوتنا بأيدينا و أيدي الكافرين.

لذلك أدركت الجمهورية الإسلامية ما للقنوات الفضائية من قيمة و دور في تشكيل الوعي العام من جهة، و تكسير الصورة النمطية عن الإسلام و المذهب من جهة أخرى، فقامت بإطلاق مجموعة منها، آخرها قناة: " براس تيفي" الناطقة بالإنجليزية، و قبلها قناة " العالم" الناطقة بالعربية، إضافة إلى قنواتها الأصلية، حتى وإن كانت هاتان القناتان الأخيرتان ليستا "مذهبيتين " بالمعنى الضيق لمعنى كلمة "المذهب"، إلا أنهما معدودتان عليه، نظرا لكونهما "إيرانيتين"، أي "شيعيتين" في المنظر العام، و هو ما يفرض على القائمين عليهما تقديم الصورة الكاملة عن إيران " الشيعية"، سياسةً و ثقافةً و تاريخاً و واقعاً اجتماعياً... و كأن الجمهورية الإسلامية أرادت بهذا العمل الهادف و الجبار أن تعيد إلى الأذهان الدور الإيجابي الذي قام به "مصعب بن عمير "، إذ أرسله الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم إلى المدينة المنورة ليبلغ الدين الجديد هناك، فما هو إلا أن دخل هذا الدينُ الجديدُ كلَّ بيتِ يثربي. فكذلك الجمهورية الإسلامية و القنوات الفضائية أدخلتا مذهب أهل البيت عليهم السلام إلى كل بلد، بل إلى كل مدينة، بل إلى كل بيت.

هذا و أحب أن أشير إلى نقطة كثيرا ما كانت مرتكز قوة للمذهب على حساب " الفكر الآخر ". لقد كان "الفكر الآخر" متسلحا دوما بقوة الدعاية التي كانت – و لا زالت – توفرها له الأنظمة الحاكمة، سواء تلك التي أصبحت جزءا من الماضي، أو الحالية التي تعمل على تشكيل نظرة هذا الآخر إلى المذهب الحق. و في العصور السابقة حيث كان لرأي أمير المؤمنين، أو الوالي المعين و المفروض من قبله الرأي النافذ، مستعينا في ذلك بترسانة من الفتاوى الجاهزة التي لم يعدم يوما من يتحمل وزرَها من فقهاء السوء فقهاء البلاط الذين لم ينقرضوا مع الأسف الشديد، و حيث كان التواصل بين الناس داخل المذهب الواحد صعبا، و بين المذاهب أصعب، ما يمكن القول معه أن مذهب أهل البيت عليهم السلام كان مذهبا مغضوبا عليه على الدوام، ومحلا لجملة كبيرة

من الاتهامات لأنه كان يمثل في الحقيقة المعارضة الحقيقية و الدائمة داخل النسيج الاجتماعي الإسلامي العام لأنظمة الحكم القائمة، و هذا بدوره وَفَّرَ أرضيةً خصبة للكذب على أهل البيت عليهم السلام. أَمَا و إن الزمان قد تغير، وأصبح بالإمكان لأي إنسان أن يطلع على أية عقيدة، لا بل أصبح بإمكان أية عقيدة أن تدخل إلى بيته بل حتى إلى غرفة نومه: ها هنا يكون الإعلام المذهبي قد حقق اختراقا نوعيا لا يمكن بعده الكذب على الناس، و لكن - مع ذلك - لا زال الإعلام الضال المضل يخوف الناس و يمنعهم من متابعة هذه القنوات و يحذرهم منها." الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، فاخشوهم، فزادهم إيمانا، و قالوا: حسبنا الله و نعم الوكيل".

نعم: عشر سنوات تقريبا من عمر " القنـوات الفضائيـة الشيعيـة " قد زلزلت المفاهيم، و جعلت الكثير من الناس يدركون أنهم كانوا ضحايا نظرة – إن لم تكن أحادية – كانت مغرضة، يصدق في حقها أنها شهادة الزور. هذه السنوات القليلة كمًّا، كان فيها من البركة بحيث أنها كانت كافية لتمسح "شهـادات الزور" و تعري الكثير من شهودها، وتضعهم وجها لوجه أمام الحقيقة. و قد رأينا كيف تكالب " الإعلام الآخر " ضد أتباع أهل البيت عليهم السلام بعد عملية إعدام الطاغية " صدام يزيد"، فراح يستنجد بمصطلحات عَفِنة، خلقتها له الأسر الحاكمة - على مر العصور- و لا زالت، وأعاد إحياءَها الاستكبارُ العالمي.

(4) الإعلام المذهبي: مظاهـرو نمـاذج: إن أكبر مظاهر الإعلام المذهبي: المجالس الحسينيـة. و لولاها لاندثـر المذهب من زمان، و لأصبح حكاية من حكايات ألف ليلة و ليلة، و لأصبح يثير فضول " سواح الثقافة" و"الأنتوبولوحيا".

يقوم الخطيـب الحسيـني بذكر مصائب الإمام الحسين عليه السلام و أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، بطريقة تجمع بين " فن الخطابة" و " فن استثارة عواطف المؤمنين"، تنتهي إلى استحضار صورة المشهد الكربلائي بصورة حزينة. والمعلوم أن الحزن أقوى استثارة للإنسان و أطول مدى من الفرح، فتبقى بذلك صورة الحسيـن المظلـوم، الثائـر، الذي قُتـل ظلمـا مع أهل بيته و ثلة من أصحابه: ماثلة للعيان، حية دوما في فكر و شعور المؤمنين.

ينبغي التنويه هاهنا إلى أن ربط فكرة ما بشخصيات تمثلها أقوى رسوخا في الذهن و الروح معا. لذلك نرى تركيز الخطيب الحسيني- و هو يتكلم عن قيم التوحيد، الحق، الخير، على المستوى العقيدي، و قيم مقارعة الظالم و نصرة المظلوم على المستوى الاجتماعي- على ذكر شخصية الأئمة عليهم السلام بصورة عامة، و الإمام الحسين عليه السلام بصورة خاصة، و هم الذين وصلوا إلى أعلى مصاديق هذه القيم. و هو نفس ما قام به الله تعالى في كتابه الكريم. فإن الله عز و جل لا يتكلم عن القيم العليا و المثل السامية - التي تصبو إليها الإنسانية و تتنافس من أجل تحقيقها - بصورة تجريدية معزولة عن الواقع الذي يتحرك فيه الناس. فالخير، الجهاد، الإيثار، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر... كلها قيم تجد في القرآن الكريم مصاديق عملية لها، من خلال أنبياء الله العظام، على نبينا و آله و عليهم السلام، ومن خلال أوليائه الصالحين. و كذلك الأمر فيما يتعلق بقيم الكفر، الشرك، التجبر في الأرض... تجد تجسيدات لها في شخصيات معروفة: فرعون، هامان، قارون، النمرود، أبو لهب، الشيطان... و قد ضرب الله تعالى للذين آمنوا مثالا بامرأتين، و للذين كفروا مثالا بامرأتين أخريين.

و في هذا السياق أحب أن أنبه إلى ضرورة دراسـة الخطاب الحسيني دراسة شاملة في كامل أبعاده: السياسية و العقيدية. و لو أن "الآخر المذهبي" تحرر من عقده التاريخية و النفسية التي شحنته بها أنظمة السوء و الفحشاء مقرونة بفتاوى الفتنة لرأى "حسينا" آخر غير الذي قدمته له "شهادات الزور" منذ أن قال قائلهم إن الحسين قد قتل بسيف جده: حسينا ثائرا، لا خارجا عن أمير المؤمنين، حسينا هو الامتداد الطبيعي للنبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم، لا، بل إن الرسول نفسه هو امتداد له، حسينا يصلح أن يكون قائدا و دليلا لكل المسلمين و المستضعفين، لا حسينا خاصا بالشيعة فقط.لكن : ماذا نفعل بالذين استحبوا العمى على الهدى، و آثروا الدنيا على الآخرة، و الذي هو أدنى على الذي هو خير؟

زيارة عاشوراء مثلا ترينا الكثير من قيم التولي و التبري، ما لو وقف عندها المسلم يكون قد عرف بوصلته جيدا. لذلك ورد الحث عليها من المعصومين عليهم السلام. و هذا الإمام الصادق عليه السلام يقول: أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. و يقول كذلك: نفس المهموم لحزننا تسبيح، و همه عبادة، و كتمان سرنا جهاد في سبيل الله.

إضافة إلى الخطيب الحسيني، ثمة: الرادود، المنشـد الدينـي، الفيلم، الفيلم الوثائقي، المسرحية، القصة، مواقع الانترنت... و ينبغي تفعيل هذه الوسائل التبليغية الدعوية و تطويرها و مدها بكل أنواع الدعم المادي و المعنوي.

و في تطور ملفت لـ " الإعـلام المذهـبي" عند شيعة أهل البيت عليهم السلام: استعمالهم لتقنية " الكليب " [ CLIP] التي تزاوج بين الصوت و الصورة المتحركة، كما نجد ذلك مثلا في كليب: " صلـوات "، الذي يؤديه الرادود الحسيني: الملا باسـم الكربلائي، و يكثر وروده في قناة " الأنـوار الفضائيـة "... و بالنسبة لي، يكفي أن أرفع من درجة صوت التلفاز حتى يأتي أولادي و زوجتي كلهم مسرعين لسماعه، فتراهم جميعا متأثرين به، غارقين في تتبعه كلمة كلمة، وكأن الطير حطت على رؤوسهم. ويكفي للتدليل على أهمية تقنية الكليب أن القنوات الماجنة، التي تحب و تريد " أن تشيـع الفاحشـة في الذين آمنـوا " تلجأ إليه، لشدة تأثيره على المشاهد الذي يستسلم لما يراه و يسمعه.

و يمكن الإشارة كذلك إلى أغنية " يا أبا جعفـر سوف تبقى " التي تبثها قناة " المسـار الفضائيـة"، عن الشهيد السعيد، السيد محمد باقر الصدر، أعلى الله تعالى مقامه الشريف، مرتين في اليوم، مرة في الليل و أخرى مع طلوع الفجر، حسب التوقيت الجزائري.

أما قناة " المنـار الفضائيـة" [ زادها الله نورا و عزة]فهي - بحسب علمي - الرائدة في هذه الكليبات، إذ أنها تتحفنا صباح كل يوم بمجموعة من الأدعية ( دعاء الصباح / دعاء اليوم) و الأناشيد الروحية مقرونة بالصور المتحركة التي تضفي على الصوت روحية خاصة، و كذلك بثها أناشيد حول المقاومة الإسلامية تمجد العمل الجهادي و كيف ألحقت الهزيمة النكراء بالعدو الصهيوني اللقيط و البغيض. و في حصصها الثقافية يمكن الإشارة إلى حصة " الكلمـة الطيبـة " التي ينشطها الكاتب المغربي: محمد دكير، و التي عادة ما يستضيف فيها شخصية ثقافية سنيـة إلى جانب شخصية شيعيـة، للتدليل على ما بين المسلمين من نقاط اتفاق. و للتدليل كذلك على أن " الشيعي " لا يمارس سياسة التعتيم في حق أخيه " السني"، فها هو يفتح له قنواته الفضائية، و يجالسه، و قبل الحصة و بعدها ربما يؤاكله و بشاربه، خلافا لما تقوم به القنوات الفضائية " السنية " التي ينطبق عليها حقا و حقيقة قول الشاعر قديما:

و إذا ما خلا الجبان بأرض +++ طلب الطعن وحده و النـزالا.

أما قناة " الكوثـر الفضائيـة " فليست بدعا من هذا كله. ففيها – إضافة إلى ذلك – قراءة "دعـاء كميـل"، بلحن شجي عاطفي أخاذ، مقرونا بصور للحجاج الإيرانيين – و أكثرهم بلباس الإحرام - و هم يبكون، مما يضفي على المجلس جوا مهيبا لا يملك المرء إزاءه إلا أن يتابعه. و للملاحظة كذلك، أن المشاهد لقناة " الكوثر " يمكنه مثلا أن يقرأ في شريط الأخبار الموجود أسفل الشاشة آيات من القرآن الكريم و أحاديث للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم و روايات شريفة للأئمة عليهم السلام. إن هذه العملية جديرة بالتنويه، ذلك أنها تذكر المسلم بكتاب ربه، و تذكره كذلك بأئمة الهدى عليهم السلام.

كما يمكن الإشارة كذلك إلى حصة " حقائـق التاريـخ " التي تبثها نفس القناة [الكوثر] مساء كل خميس. و بخصوص هذه الحصة لي عليها ملاحظتان: أولاهمـا تتعلق بالمضمون العلمي المعرفي الثقافي للحصة. و واضح من عنونة الحصة أنها تسعى إلى تبيين وجهة نظر مدرسة أهل البيت عليهم السلام من التاريخ الإسلامي و النصوص التاريخية و الدينية التي رافقته و بررته، و مما

وقع فيه المسلمون، حكاما و علماء، بدءا من رزية السقيفة (بتعبير الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه)، بل قبل ذلك كما هو واضح في النصوص الدينية والتاريخية.

و ثانيتهمـا تبعا للأولى أن الحصة تستضيف شخصيتين علميتين فكريتين: شيعية و سنية، للتدليل على أن ما يجمع المسلمين أكثر بكثير مما يفرقهم، و أن الاختلاف لا يفسد للود قضية كما يقولون. ثم في اعتقادي أن مسألة التوحيد أو التقارب بين المسلمين ( و هي المسألة التي تلاحظ بقوة في كل من قناتي المنار و الكوثر: إذ أنهما تبثان دعاء كميل و لا تبثان مثلا دعاء التوسل، لحساسية التوسل عند بعض إخواننا السنة)لا بد أن تمر عبر تفهم بعض المسلمين لمعتقدات وأفكار بعضهم بعضا.و هكذا فإنَّ تَفَهُّمَ الطرف الآخر (البعض من إخواننا أهل السنة) لأفكاري من شأنه أن يقلل من حدة الباطل الذي ينسبه هذا الآخر إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام. و أقترح هاهنا أن يصار إلى اعتماد المنهج المقارن لتبيين أن كل ما يقوله أتباع أهل البيت عليهم السلام له أصل، من قرآن و سنة و عقل و تاريخ، و بالتالي فلا داعي لسياسة التهويل و التكفير كما يمارسها البعض بامتياز، خدمة لأهداف غير أهدافهم. و إنما أؤكد على اعتماد المنهج المقارن لأن الإمام الصادق عليه آلاف التحية و السلام قد لجأ إليه في تلك المناظرة / المؤامرة التي فُرضت عليه حيث جيء بأبي حنيفة فيها مشحونا بأربعين مسألة كان قد أعدها له – ليلا - بطلب من أبي جعفر... المنصور(؟؟)، فجعل الإمام عليه السلام يوجه خطابه لأبي حنيفة بقوله: أهل المدينة يقولـون كذا، و أهل العراق يقولـون كذا و أهل تلك المنطقة( سماها له) يقولـون كذا، و نحن نقول كذا، فما كان من أبي حنيفة إلا أن قال: ربما كان يوافقنا، و ربما كان يخالفنا، فعلمت أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.

و ميزة أخرى لـ " الكوثـر" بَثُّهَا أفلاماً تاريخية و اجتماعية. أما الأولى فيمكن اعتبارها امتدادا للحصص التاريخية والدينية، نظرا لقيمها المحركة لها. و يمكن الإشارة هاهنا إلى فيلم الإمام علي عليه السلام، و كم كانت صورة عمرو بن العاص و هو يفر من مواجهة الإمام علي عليه السلام بتلك الصورة الرخيصة النذلة معبرة عن حقيقته و حقيقة من كان يتولاه.كما يمكن الإشارة كذلك إلى فيلم " الهوية الضائعة ". و أما الثانية فإضافة إلى كونها من الترفيه المحلل شرعا، هي تعمل كذلك على ترسيخ و تدعيم الثقافة الاجتماعية و كيفية التعامل مع المشاكل الأسرية مثلا.

(5) خصائـص الإعـلام المذهبـي: ها هنا جملة من المفردات يمكن الإشارة إليها سريعا، لكنها بالنتيجة العملية أمر واحد:

+أ+ هو إعـلام دعـوي، تبليغـي، المعلومة عنده ليست سلعة خاضعة لقيم السوق و بورصة أسواق التعاملات المالية، بل هي كلمة مسؤولة وشرف، إذ تتم بها الدعوة إلى دين الله تعالى. فهو إعلام مسؤول عن هداية الناس و إرشادهم.

+ب+ و بهذه الخاصية ننفي عنه كونه إعلاما تضليليا. ذلك أن التضليل كذب، و الكذب حرام في دين الإسلام، ويكفي للتدليل على شناعته و مبغوضيته الشديدة أن الله تبارك و تعالى لم يَكِل أمر معاقبة الكاذب للحاكم مهما كانت صورة هذا الحاكم كما فعل ذلك مثلا مع جرائم أخرى، كالزنا و السرقة و القذف و شرب الخمر، بل تولاه هو بنفسه.

إن الكذب تلاعب بعقول الناس من خلال تزوير المعلومة أو تزوير الواقع، و العقل قيمة مقدسة في الإسلام. والكافي الشريف يبدأ بهذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام بما معناها: أن أول خلق خلقه الله تعالى العقل، قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال: و عزتي و جلالي لم أخلق خلقا أعز علي منك، بك أثيب و بك أعاقب.

إن هذه الجوهرة التي أودعها الخالق تبارك و تعالى في كل إنسان بحيث جعلها مناط التكليف يأتي الكاذب و يزورها، أرأيتم جريمة أكبر من هذه؟

إلى هذا نجد أمريكا قد شكلت غداة أحداث 11/09/2001م مكتبا للتضليل الإعلامي، أي للكذب على الناس، يشرف على شحن عقول الناس داخل وخارج أمريكا بأفكار و معلومات مغلوطة، من أجل تمرير سياسات اللوبيات اليهودية

المتحكمة في مصائر الشعب الأمريكي، و تخويف الناس، و تبرير ما تسميه الدعاية الأمريكية بـ " الحرب على الإرهاب". وهكذا نرى أن أمريكا قد استنسخت" وزارة الدعاية" النازية ( البـروباغاندا) التي كان يشرف عليها " غوبلز " أيام هتلر.

إن أكبر و أوضح آية في اعتقادي تبين مرتكزات العمل الإعلامي الإسلامي هي قوله تعالى من سورة الحجرات المباركة: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا "، إنه إعلام يعمل على سوق الناس إلى الله تعالى، و تبيين سبيل الله من سبل الشيطان. فهو إذن مسؤول عن هدايتهم و إرشادهم.

+ج+ هو كذلك إعلام نظيـف. و ذلك من ناحيتين:

فعلى المستوى الأخلاقي: لا يقوم على تهييج شهوات الناس و غرائزهم. هو حارس على القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية للناس مثلما أن الجندي حارس على الثغور. و يمكن هاهنا الإشارة إلى أن قناة العالم مثلا – في تغطيتها الرياضية- لا تبث منافسات التنس النسوية، و لا رياضة السباحة، للباس الفاحش الذي تلبسه المتسابقات في مثل هاتين الرياضتين.

و يمكن ملاحظة نفس الشيء كذلك في اللوحات الإشهارية لمختلف المتوجات، فكأن الإشهار لها لا يصلح إلا بفتاة، لا أقول كاسية عارية، بل أقول عارية عارية، و هذا غائب بالمطلق عن قنواتنا.

و على المستوى التمويلي هو كذلك نظيف من حيث أن القائمين عليه لا يملكون قنوات فاسقة ماجنة يحققون بها صفة الذين يريدون و يحبون " أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا "، ثم يطلقون قنوات " ملتزمة".

+د + هو إعلام نزيـه و شريف، يهتم بالقضايا الكبرى للأمة، و يتعالى على سفاسفها و لا يشغل بال الناس بها، و هل ثمة مسألة آكد من الوحدة الإسلامية؟ فكم من مرة أتيحت له فرصة " الإستفراد" بالمجد دون باقي الناس لكنه لم يفعل؟.

إن أكبر و أشرف و أطهر حرب في هذا الوجود حاليا هي الحرب ضد الكيان الصهيوني الغاصب اللقيط، الذي يسمى في الأدبيات الدولية بـ " إسرائيل". و قد تمكن أتباع أهل البيت عليهم السلام من دحر هذه الغدة السرطانية كما سماها السيد الإمام الخميني الراحل أعلى الله تعالى مقامه الشريف 3 مرات في أقل من ثلث قرن (1979م مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران / ماي 2000م، و تموز 2006م، و كلتاهما على يد رجال الله في جنوب لبنان). و مع ذلك: لم يقل السيد الإمام إن هذا الانتصار هو انتصار للشيعة، و لو قاله ما كذب، و نفس الأمر ينسحب مع ما حدث في جنوب لبنان. بل لقد تم إهداء هذه الانتصارات، على فرادتها و على عظمتها، كلها للمسلمين في العالم، بل للمستضعفين الذين سحقتهم الدعايات والوعود الكاذبة للاستكبار " الإسرامريكي". هذا كله في الوقت الذي كان " الآخر المذهبي" يعمل على ترسيخ هذا الكيان الغاصب اللقيط من خلال ترسيخ و تدعيم الكيانات الداعمة له بالمال و البنين و الفتاوى الجاهزة حسب المقاس.( أمريكا و"العرب المعتدلون").

إن هذه النزاهة إنما يستمدها إعلامنا من عظمة و نزاهة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة من أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، عليهم صلوات الرحمن. ألم يقل الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم يوم فتح مكة لقريش التي سامته كل أنواع العذاب و الاستهزاء و التكذيب: "اذهبوا فأنتم الطلقـاء " ؟ . ألم يقل الإمام السجـاد عليه السـلام: " والله لو أن قاتل أبي الحسين استأمنني على سيفه لأرجعته له " ؟ .لا. بل ألم يمارس الإمام السجاد عليه السلام هذا القسم حينما ضم إلى خيم بني هاشم بني أمية الذين خافوا يوم الحرة من أن تنقلب عليهم الموازين فاستأمنهم ؟ . كل ذلك والجرح الكربلائي لما يندمل، و دماؤه لما تجف، و الدموع لا زالت عبرى، و الصدور حرى. اللهم لا ثأر و لا شماتة.

+هـ+ هو إعـلام مبدئـي. ثمة من الإعلاميين من لهم مواقف ثابتة يرفضون التنازل عنها، لذلك تراهم يخضعون لضغوطات و تهديدات، فما بالك بالإعلامي المسلم، و الشيعي بالخصوص، و هو يرى الإسلام، و مذهب أهل البيت عليهم السلام يتعرض لحملات من التشويه و الضرب بالمطرقة الإعلامية من طرف " الآخر الديني "، من خارج الدائرة الإسلامية، أو " الآخر المذهبي " من داخل الدائرة الإسلامية؟.

إن الإعلامي عندنا هو رجل مؤمن، ملتزم بقضية و نهج، لذلك فهو لا يتعامل معها بمنطق تجاري، يعني أنه ليس مجرد موظف في قناة تلفزية أو إذاعية أو جريدة، و ليس كاتبا يكتب من برج عاجي، إنه شخص منخرط مع أمته في قضاياها الكبرى، و يدافع عنها، و قد يمنحه الله تعالى شرف الشهادة بمقال يكتبه، أو خبر ينقله، أو صورة يبثها.

+و + هو إعـلام شامـل، لا يختص فقط بخريجي كليات الإعلام و الاتصال، بل يشمل كل شيعي، مهما كان منصبه الإحتماعي. فالإعلامي، سواء كان في الجريدة، أو في التلفزة، أو في الراديو، أو على خشبة المسرح، أو حتى في الحياة العملية الاجتماعية، و الخطيب الحسيني... كلهم مسؤول عن إعلام الناس بالمذهب و الدعوة إليه بالكلمة، بالمسرحية، بالأنشودة، بالكتابة، بالصورة، و قبل ذلك و معه و بعده: بالسلوك الحسن، تحقيقا لما قاله مولانا الإمام الصادق عليه صلوات الرحمن: "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم "، و: "كونوا دعاة لنا صامتين ". أو فيما معنى الرواية التالية: اسلكوا بحيث يقول الناس: "رحم الله الصادق، لقد أدب شيعته ".

(6) كلمـة ختاميـــة: ثمة أمران خدما الإعلام المذهبي كما لم يخدمه أمر آخر، هما:

+أ+ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م: إن هذا الانتصار لم يعد مجرد تجربة من تجارب ما أصبح يسمى في الأدبيات السياسية المعاصرة بـ " الإسـلام السياسـي"، بل أصبح حالة معاشة، أسس لواقع محلي و إقليمي و دولي جديد يأخذ في الحسبان أن ثمة دينا و أمة أصبحا يطالبان بحقهما في العيش الكريم، بعيدا عن صور القمع التي كانا يخضعان لها طيلة قرون وقرون كاملة.يتمثل هذا الواقع السياسي الجديد في حركات مجاهدة مقاومة رافضة للمشروع الإستكباري في المنطقة العربية الإسلامية، و قد آتت هذه الحركاتُ أكلَها أكثر من مرة واحدة، كان آخرها الانتصار الإعجازي الذي حققه حزب الله "الرافضي " رغم أنفه، و الذي شكل سابقة خطرة بالنسبة للكيان اللقيط و هو يتعامل مع حالة عربية إسلامية جديدة لم يعهدها منذ أن غُرس في المنطقة.

إن الأفكار التي تبحث لنفسها عن وسائل تطبيقها هي الوحيدة التي تحظى بالاحترام و تستحقه.و الجمهورية الإسلامية الآن – وفقها الله إلى كل خير- تعمل و تجتهد في أن تنزل الإسلام منزل التطبيق العملي، و هي بذلك تقدم أجوبة عملية للكثير من المشاكل و أشباه المشاكل التي رافقت الإسلام منذ عصور الانحطاط. و لعل واحدة من أكبر تلك المشاكل و أشباه المشاكل / الموقف من المرأة. و الذين يتخوفون من هذه المسألة، أو الذين عميت عليهم ندعوهم إلى زيارة الجمهورية الإسلامية أن يشاهدوا قنواتها الفضائية ليروا واقع المرأة هناك،: تلميذة ، مدرسة ، أستاذة جامعية ، باحثة في مراكز البحث العلمي المتطور، مستشارة لرئيس الجمهورية، قارئة أخبار في التلفزة، كل ذلك بلباسها الشرعي الملتزم. أفهل يقضي حجابها على شخصيتها ؟ أفهل يغلق حجابها على عقلها؟ بل إني أزعم أن أكبر درس وجهه السيد الإمام الراحل أعلى الله تعالى مقامه الشريف: المرأة التي كانت ضمن الوفد الذي أرسله إلى الرئيس السوفيتي : ميخائيل غورباتشوف: كانت رسالة ، و كانت جزءا من رسالة.

ليس ثمة من وسيلة أفضل للدعوة و التبليغ من وجود نظام حكم إسلامي. لذلك فإني أرى أن حق الإمام الخميني قدس سره الشريف على المسلمين عظيم. و لو كان هذا الحق دَيْناً على المسلمين فإني لا أتصور أن بإمكان المسلمين جميعا تسديد هذا الدين. فلقد نجح فيما فشل فيه الآخرون، و وصل حيث توقف الآخرون، سواء داخل الدائرة الإسلامية الكبرى، أم داخل الدائرة المذهبية. و قد قدم للمسلمين و للإسلام الحنيف ما كان يسميه المفكر الهندي " أبو الحسن الندوي " في النصف الأول من القرن العشرين بـ " المعمل الإسلامي". بمجودات الإمام الراحل، و بإخلاصه و عمله الدؤوب أصبح هذا المعمل الإسلامي حقيقة واقعة في حياة الناس. فعلى روح الإمام الخميني: سلام الله يوم ولد، و يوم التحق بالرفيق الأعلى، و يوم يبعث حيا.

+ب+ القنوات الفضائية: و على المستوى الثقافي العام لم يعد مذهب أهل البيت عليهم السلام تكتنفه تلك السحب الداكنة من الأكاذيب و التعتيم، إذ أصبح بالمقدور الرد على تلك الحملات المغرضة و شهادات الزور التي رافقت " الفكر الآخر " في كل

ما أراد أن يلحقه بالمذهب الحق، كما أصبح بالمقدور عرض مذهب أهل البيت من خلال أتباعه و المستبصرين ممن تعرفوا عليه فاعتنقوه.

و قد سبق لي في هذا المقال أن شبهت دور الثورة الإسلامية و دور هذه القنوات بـ " مصعب بن عمير " الصحابي الذي أرسله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله و سلم إلى المدينة المنورة ليبلغهم الدين الجديد، فأدخل الدينَ الجديدَ إلى كل بيت، بل حتى إلى مخادع الناس. وعليه فلم يبق للموتورين المحسوبين على" الآخر المذهبي" من دليل على مواقفهم التي لا زال يطبعها التشنج و الثبات على المواقف الخاطئة. ها هي قنواتنا تطرق عليهم أبوابهم كل يوم، و في كل لحظة، أفهل لهم الشجاعة والصدق مع الذات ليتأكدوا مما كانوا ينسبونه للطائفة المحقة طيلة 15 قرنا من الزمان حينما استفرد لهم الجاه و السلطان؟ قلت هذا الكلام لأخ مؤمن بحضور مجموعة من "الوهابية" كانوا قد وقفوا أمام جناح "الأعلمي" في معرض الجزائر الدولي للكتاب عام 2006م ، و أردفته بالقول قاصدا إياهم: لماذا لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن موقع شيعي في الإنترنت، أو البحث عن قناة فضائية " شيعية" ليتعرفوا على الحقيقة - بأيد شيعية-، و هي الحقيقة التي تم إخفاؤها عنهم؟. و في عصر كعصرنا: من العار أن يبقى " الآخر المذهبي " يلوك نفس "المعلبـات الثقافيـة "، و هي مسمومة على كل حال تمثل خطرا على الصحة العامة، و نفس "المقـولات الجاهـزة" كخرافة " السبئيـة" مثلا، مع أن شيعة آل البيت عليهم السلام يُكَذِّبون هذه الخرافةَ كل يوم بما صنعوه عام 1979م، و لا زالوا يصنعونه في الجنوب اللبناني، لا بل إن واضعيها هم الذين يثبتون "السبئيـة" لأنفسهم من خلال تلك الفتاوى/ العار، ومن خلال طلبهم الحماية من أتباع "السبئية الجدد"، أمريكا، و من خلال النفخ في مصانع هذه الأخيرة بالملايير من دولارات المسلمين بعقود التسلح / الخردة الذي لن يستعمل ضد اليهود أبدا. وكجريمة الادعاء أن للشيعة مصحفا آخر، وكجريمة الادعاء على لسان الشيعة أن جبرائيل أخطأ العنوان بين علي عليه السلام و محمد صلى الله عليه و آله و سلم.ثم قلت: هذه كتب الشيعة تفصح عن معتقداتهم، فليفتحوها. نظر إلي أحدهم ثم انصرف.

إن مسؤولية هؤلاء كبيرة. و لو كانوا يعيشون في عصر " الحمام الزاجل" لتم قبول أعذارهم. أما و إنهم يعيشون في عصر ألغى المسافات و قرب بين النقاط الأربع للكرة الأرضية فما أرى هذا إلا عنادا، و جبنا.

الأستاذ د محمد 

تعلیقات المشاهدین
الاسم:
البرید الإلکتروني:
* رای: